للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علة المضاعفة إلى خمسة وعشرين أو سبعة وعشرين ضعفاً

يقول الشوكاني في نيل الأوطار: إن عدد السبع والعشرين سر من أسرار النبوة وقد بحث ابن حجر في فتح الباري أوجه كون هذا العدد خمسة وعشرين أو سبعة وعشرين وسبب ذلك، فمن أراد فليرجع إليه، وفي فتح الباري ذكر أقوالاً عديدة، والواجب على طالب العلم أن لا يقول: هذا ترف علمي، ولكن يقول: هذا منهج علمي، وننظر إلى أي مدى بذل العلماء الجهد في توطيد المسائل بين يدي طالب العلم.

وفي الحديث: (صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه بخمسة وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة) .

فأراد بعض العلماء معرفة موجب التضعيف إلى الخمسة والعشرين.

ثم ذكر عشرة أو اثني عشر وجهاً، ومنها أنه قال: عزمه عندما سمع النداء بأن يجيبه طاعة، والعزم على إجابة المؤذن طاعة، فأجاب المؤذن فيما قال، وأسبغ الوضوء.

ومشى إلى المسجد، ثم دخل المسجد وصلى تحية المسجد، ثم وقف ينتظر الإمام حتى يقيم، ثم ائتم بالإمام وأمَّن وراءه، أو اشترك في تأمينه، وسمع القراءة في الجهرية، واشترك مع الإمام في هذا الجمع، ثم تعرف على إخوانه، وتآلف مع الآخرين، ورجع من المسجد إلى البيت ماشياً، فهذه حسنات، وكل واحدة تساوي درجة من صلاة الفذ؛ لأن الفذ ليس عنده شيءٌ من ذلك.

وبعضهم يقول: إن أقل الجماعة ثلاثة، وكل واحد من الثلاثة نوى الجماعة بغيره، وغيره نيته الجماعة بغيره، فيكون هنا ثلاثة أشخاص لهم نية جماعة، والحسنة بعشر أمثالها، فتصير ثلاثين حسنة.

وأحسن ما يقال في هذا الحديث أنه يتهيأ إلى الصلاة، ولأنه منذ أن يسمع النداء أو يعلم دخول الوقت يتوجه بفكره إلى أداء الواجب، ثم يسبغ الوضوء، وإن كان الإسباغ مشتركاً في كل الصلوات، ثم يخطو الخطوات إلى المسجد، وجاء في الحديث الآخر أن له بكل خطوة حسنة أو درجة، وتمحى عنه سيئة، فلا يأتي المسجد إلا وقد محيت خطاياه، وتكون الصلاة نافلة له.

وهناك أيضاً حديث الوضوء، وإن كان أعم من ذلك: (إذا توضأ العبد المسلم -أو المؤمن- فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء) فجاء الحديث في تكفير الذنوب المقترفة بهذه الحواس.

ولعلنا بهذا ندرك أن كون الوضوء في هذه الأعضاء لأنها الحواس والجوارح المكتسِبة، فالظهر لم يكتسب شيئاً، والرأس لم يكتسب شيئاً، لكن العين والأنف والفم واليد والرجل كلها تكتسب، فيكون غسلها بماء الوضوء غسلاً لآثار ما اكتسبت واجترحت من سيئات.

فهذه ناحية لمن أراد من طلبة العلم أن يقف عليها، ولا أقول: الوصول إلى تحقيق الغاية، أو تحقيق المناط في تضاعف صلاة الجماعة سبعة وعشرين، ولكن إلى ما حاول الفقهاء رحمهم الله أن يستنتجوه أو يرسموه؛ ليكون نوعاً من أنواع استنتاج الأحكام أو تعليلها.

ونعلم قصة الشافعي رحمه الله في حديث: (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟) ، فقد بات ليلة كاملة صلى فيها الفجر بوضوء العشاء يفكر في هذا الحديث، ويقول: لقد استخرجت منه أربعين مسألة فقهية.

فعلينا أن نطرق أبواب العلماء فيما بوبوه في كتبهم لننظر فيما ادخروا لنا في تلك الخزائن النفيسة.

قال صلى الله عليه وسلم: [وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) ] .

هذا النص صريح بأن الثقل: على المنافقين، والهم: بالتحريق كان أيضاً موجهاً على المنافقين.

ونكتفي بهذا القدر، ونسأل الله تعالى لنا ولكم الهداية والتوفيق.