[وجوب الحفاظ على عادات وتقاليد ولغة الأمة الإسلامية]
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استعمال آنية أهل الكتاب في قوله:(إلا ألا تجدوا غيرها) ، يعني: عند الحاجة والضرورة فقط، وعند عدم الضرورة تترك ولو كانت طاهرة، نرجع إلى مبدأ آخر وهو: في آخر حياته صلوات الله وسلامه عليه أوصى بقوله: (أخرجوا اليهود من جزيرة العرب) ، وقال:(لا يجتمع دينان في جزيرة العرب) بمعنى: يجب على المسلمين أن يتميزوا، وألا يندمجوا مع أهل الكتاب؛ لأن تبادل الأواني، وتبادل الزيارات، وتقارب الجوار، والاحتكاك والاختلاط مدعاة إلى تبادل الأفكار والآراء والتقليد حتى في الأزياء والحياة، ومن هنا حرص صلى الله عليه وسلم على إبعاد المسلمين عن أهل الكتاب في التجاور والمخالطة، وفي التعاون والتبادل؛ ليبقى المسلم متميزاً بذاته ومنهجه وشعائره، وعلى هذا لا ينبغي مخالطتهم حتى بتبادل الأواني، ولذا قال:(لا يجتمع دينان في جزيرة العرب) ؛ فإن كل أمة خالطت أمة أخرى لابد وأن تدخل تلك الأمة بعاداتها وتقاليدها ولغاتها في الأمة الأخرى؛ فيحصل التجريح في اللغات، ويقع اللحن في اللهجات، والتقليد في العادات، ويؤخذ من هذه إلى تلك، ومن تلك إلى هذه؛ فيقع الاشتراك في المناهج في الحياة، وإذا طال الزمن بهذا الاشتراك انماعت إحدى الأمتين في الأخرى، والذي يتتبع أخبار العالم الإسلامي مع العالم الغربي منذ عهد الاستعمار وما فعله في العالم الإسلامي، فإننا نجد حينما تدخل أمة مستعمرة بقوتها، فإنها تحارب أولاً اللغة والدين والتقاليد والعادات، وأول ما تدعو إليه: انصهار الأمة المستعمَرة صاحبة البلد الأساسي في بوتقة المستعمِرة الغاصبة؛ فتصبغ عليها زيها، وتفرض عليها لغتها، وجميع أنواع حياتها، ولقد وجدنا في الآونة الأخيرة أقطاراً ودولاً لغتها الأصلية العربية، ثم إذا بها تنسلخ عنها، بل وتكتب لغتها المحلية بالحروف اللاتينية ربطاً لها بلغة الدولة المستعمرِة؛ ليلغى من أذهانهم العربية بالكلية، وإذا انسلخت الأمة المسلمة من اللغة العربية فما الذي يربطها بكتاب الله الذي قال الله فيه:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[يوسف:٢] ؟ ما الذي يربطها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ولقد لقينا بعض الأشخاص من رؤساء بعض البعثات في عام (٨٤) في رحلة إلى أفريقيا، وكان يدعو إلى مؤتمر إفريقي في فرنسا لدراسة اللغة المحلية التي يتعارف عليها الاتحاد الإفريقي، وقلنا له: يا فلان! اتق الله! إنكم إن اخترتم لغة غير العربية؛ فمعنى ذلك أنكم عزلتم أنفسكم عن العالم الإسلامي.
وأقول لكم: إن اللغة العربية ليست كبقية اللغات، واللغات في أصلها ما لم يكن لها ضمان تتشعب بسبب اللهجات، وهذه اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية هي متفرعة من لغة واحدة وهي اللغة اللاتينية، فتشعبت إلى لهجات، ثم استقلت وصارت كل منها لغة مستقلة، والآن اللغة الإنجليزية في شمال بريطانيا تغاير ما في جنوبها، وكذلك اللغة الفرنسية في شمالها تغاير ما في جنوبها، واللغة العربية أوجد الله لها ضامناً من أن تتشعب مهما وجد فيها من لهجات عامة، فإنك الآن تأتي إلى الموسم في الحج فتجد البادي من الجزائر، والبادي من المغرب، والبادي من الصعيد، ونجد، وتجد البادي من أقطار العالم، وكلهم يتكلم اللغة العربية، وإذا تكلم بلهجته المحلية لا يفهم الآخر منه شيئاً؛ لأنها لهجة محلية، أما إذا قرأ الإمام في صلاته:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:٢] فإن جميع هذه الأقطار تفهم ما يقول الإمام، لماذا؟ لأن القرآن الكريم أصبح قطب رحى اللغة العربية، تدور حوله مهما تشعبت لهجاتها، وتباعدت أقطارها؛ فإنها ترجع إلى المركز الأساسي ألا وهو: القرآن الكريم، وقلت له: أيها الأخ! مهما اخترتم من لغة محلية فإن طول الزمن سيجعلها تتشعب إلى لهجات، ويوجد في أفريقيا ما لا يقل عن مائتي لغة محلية، فستعود المسألة في حافرتها، وأين للأجيال المقبلة ما يربطهم بمعجمات اللغة وقواميسها، وموسوعات الفقه والحديث والتفسير؟ ولا تستطيعون أن تترجموا هذه الموسوعات إلى اللغة التي سوف تختارونها، وإذا تشعبت إلى لغات لن تستطيعوا متابعة الترجمة إلى كل ما يستجد من لهجة.
إذاً: عودتكم إلى اللغة العربية عودة إلى الأصل، وفيها الغناء لكم، ويقول الشافعي رحمه الله: فرض عين على كل مسلم أن يتعلم من العربية ما يتعلق بعبادته لربه.
أيها الإخوة! نحن استطردنا في هذا الموضوع؛ لأنها قضية اليوم، وهذا الحديث ليس الغرض فيه مجرد أحكام: طهارة، نجاسة، استعمال آنية كفار أو عدم استعمالها، ولكن الحديث أوسع أفقاً في الدلالة، وفيما ينتفع به المسلم، وهنا صلى الله عليه وسلم يوصي أنه لا ينبغي للمسلم أن يستعمل آنية أهل الكتاب إلا عند الحاجة، وكما أشرت ليست القضية قضية أوانٍ، إنما القضية قضية مبادئ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد من المسلم أن يكون متميزاً بذاته لا يندمج مع غيره فينماع وتذوب شخصيته، ويبقى هو وغيره -من غير المسلمين- سواء، وبالله التوفيق.