[تسبيح الرجال وتصفيق النساء إذا حدث شيء في الصلاة]
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فيقول المؤلف رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء) متفق عليه، زاد مسلم: (في الصلاة) ] .
تقدم الكلام على النهي عن الكلام في الصلاة، كما بيناه في سبب نزول قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:٢٣٨] ، وجاء النص: (فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام) .
والقنوت له معان فوق عشرة، منها السكوت، ومنها الخشوع، ومنها دوام العبادة، ومنها خشية الله، وكل هذه من معاني القنوت.
وأتى المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب بعدة نصوص لبعض الصور التي قد تطرأ على المصلي فيحتاج إلى أن يتكلم، وهو منهي عن الكلام أثناء الصلاة، فماذا يفعل؟! فأورد قول النبي صلى الله عليه وسلم: (التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء) ، والمعنى: أن المصلي إذا نابه شيء وأراد أن ينبه عليه، ولا يستطيع أن يقول: يا فلان! احذر كذا، أو يا فلان! افعل كذا، أو إذا كان مأموماً وسها إمامه، فهو لا يستطيع أن يقول: يا إمام! أنت سهوت فتركت ركعة، أو أنت قمت من الركعة الثانية، ولو قال هذا بطلت صلاته؛ لأنه مأمور بالسكوت، منهي عن الكلام، فإن له أن ينبه الإمام بأن يسبح فيقول: سبحان الله.
وكذلك إذا كان إنسان في صلاته، وأمامه إنسان يريد أن يكلمه، فحينما همّ بالانصراف قال: (سبحان الله) فلفت نظره لذلك، فجلس ينتظر ما وراء قوله: سبحان الله.
وفي بعض الحالات قد يضطر الإنسان أن يخرج من الصلاة للضرورة، كإنسان يصلي وطفل أمامه، وأمام الطفل شيء خطير، كنار تلهب، أو كهرباء، أو شيء آخر، وخشي على الطفل أن يهلك، فله أن يخرج من صلاته وينقذ الطفل، وآخرون يقولون: لا.
لكن يبقى في صلاته ويسعى ويأخذ الطفل ويبعده، وله أن يسبح ليسمع أحداً قريباً فينتبه لهذا التسبيح، ويدرك الغلام.
فالرجل إذا نابه شيء في صلاته يقول: سبحان الله.
وهذا هو (التسبيح) من باب النحت، والتحميد قول: (الحمد لله) ، والتهليل: (لا إله إلا الله) ، والتكبير: (الله أكبر) ، والحوقلة: (لا حول ولا قوة إلا بالله) ، فهذه كلمات نحتت، وهي تدل على جمل كاملة، فالتسبيح للرجال، فإذا نابه شيء قال: (سبحان الله) ؛ لينبه غيره، والإمام إذا سمع المأمومين يقولون: (سبحان الله) .
وكان على شك رجع إلى صوابه وإلى يقينه، واستفاد من قولهم: (سبحان الله) .
أما المرأة إذا نابها شيء فلكون صوتها لا ينبغي أن يرتفع، ولا ينبغي أن يسمعه الأجانب فإنها تصفق، ولا تصفق كما تصفق في اللعب، وإنما قالوا: بإصبعين من يمينها على يسراها، وهل ذلك في باطن الكف أم في ظاهره؟ بعضهم يقول: في باطن الكف والغرض من هذا التنبيه، فبإصبعين من كفها الأيمن تضرب كفها الأيسر مرتين أو ثلاثاً أو أكثر حتى تنبه من تريد أن تنبهه.
فنحن نهينا عن الكلام، وأمرنا بالسكوت عندما نزل قوله سبحانه: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:٢٣٨] أي: خاشعين صامتين لا تتكلمون.
فلو أن إنساناً تكلم سهواً أو جهلاً فماذا يكون الحكم؟ الجواب: إن كان ناسياً فلا شيء عليه عند الأكثر؛ لقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا} [البقرة:٢٨٦] ، وقوله عليه الصلاة والسلام: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) .
وإذا تكلم جاهلاً بالحكم فبعضهم يجعل الجهل كالنسيان، وبعضهم يقول: الجاهل لا يعذر؛ لأن هذه أمور تعرف من الدين بالضرورة، ودليل القائل بأن الجاهل كالناسي حديث معاوية بن الحكم لما عطس بجواره رجل، فقال: يرحمك الله.
ولما أنهى صلى الله عليه وسلم صلاته دعاه وقال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التكبير والتسبيح وقراءة القرآن) ، فهو قالها جهلاً، ولم يأمره صلى الله عليه وسلم بإعادة صلاته، مع أنه تكلم جاهلاً.
والآخرون يقولون: هذا كان في أول التشريع، وما كان يعلم الجميع حكم هذا، وهو لم يعلم حكم ذلك، وخاصة الذين ذهبوا إلى الحبشة، وكان النهي عن الكلام في الصلاة في مكة قبل الهجرة، وبعد الهجرة علموا بذلك.
فالمؤلف رحمه الله بيّن لنا أن المصلي لا يحق له أن يتكلم، وأنه يلزمه أن يسكت، ثم ذكر عدة نصوص لعدة حالات، وهذا من حسن التأليف.