للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مشروعية صلاة الخوف]

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: [عن صالح بن خوات رضي الله عنه، عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: أن طائفة صلت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصلوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم.

متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، ووقع في المعرفة لـ ابن مندة عن صالح بن خوات عن أبيه] .

تقدم الكلام على مشروعية صلاة الخوف، وعلى أهميتها، وعظيم دلالتها على وجوب الجماعة؛ لأنها إذا كان يحافظ عليها عند مصافة العدو فلأن يحافظ عليها في السلم والأمن من باب أولى.

ولنقف على هذا الترتيب النبوي الكريم لهذا العمل الذي يعتبر من الدقة بمكان، وكونها قد لا يعمل بها الآن لا يستدعي تركها؛ لأنها من الفقه، ومن يدري ماذا يئول الأمر إليه، فإن كثيراً من العلماء الاجتماعيين أو السياسيين أو الدينيين يقولون: سيرجع الناس في قتالهم إلى السيف والوتر والقوس؛ أي: حينما يتغير الوقت، ولسنا بصدد ذلك، ولكن يهمنا -كما أسلفنا- الوقوف على كيفية وصفة هذه الصلاة، كما جاء في الأثر: تعلم مسألة فقه خير من عبادة ستين سنة، عمل بها أو لم يعمل.

والكيفيات -كما أشرنا- متعددة، ولكن الصور التي تعتبر أساساً قرابة ست صور.

وبدأ المؤلف بصورة منها، وهي التي تتفق مع سياق القرآن الكريم، ونحاول إن شاء الله بيان ذلك بالإشارة، أو بالعبارة، أو بما ييسره الله سبحانه وتعالى، والآن نمضي مع هذا النص خطوة خطوة.

قال المؤلف رحمه الله: [عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذات الرقاع] .

ذات الرقاع هي اسم غزوة، قال ابن حجر في فتح الباري في كتاب المغازي: واختلف العلماء في سبب التسمية كما اختلفوا في تاريخها، أما سبب التسمية فقد جاء عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه أنه قال: (غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الستة النفر يعتقبون على البعير -أي: يركب كل واحد منهم مسافة ثم ينزل- قال: فحفيت أقدامنا، وتناثرت أظفارنا، فكنا نأخذ الرقاع ونلفها على أقدامنا) .

وقال آخرون: سميت بذلك لأن الأرض كانت متلونة.

وقول ثالث: لأنهم رقعوا راياتهم وألويتهم.

وقال بعضهم: نسبة لجبل هناك فيه ألوان متعددة كالرقع في الثوب.

وسبب التسمية لا يعنينا.

بقي الخلاف في تاريخها، فبعض العلماء يرى أنها قبل الخندق، وبعضهم يقول: إنها بعد خيبر.

وبينهما فرق بعيد، ويحقق البخاري رحمه الله أنها بعد خيبر، وهي قطعاً بعد الخندق؛ لمجيء أبي موسى رضي الله تعالى عنه بعد ذلك، ويهمنا في التاريخ: قضية غزوة الخندق؛ لأنهم ما صلوا العصر حتى غربت الشمس، وجاء عمر رضي الله تعالى عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال -يدعو على المشركين-: (شغلونا عن الصلاة ملأ الله عليهم قبورهم وبطونهم ناراً) .

ولم يصلوا صلاة الخوف، وفي بعض الروايات الأخرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل: (أصليتم العصر؟ قالوا: لا) .

وقال بعضهم: لم تكن صلاة الخوف شرعت.

وقال بعضهم: كانت مشروعة في ذات الرقاع، على أن ذات الرقاع قبل الخندق.

والآخرون يقولون: كانت مشروعة لكن الناس شغلوا عنها، كما قال عمر: (شغلونا) .

أو نسيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما سأل: (أصليتم العصر؟) ، والتحقيق كما ساقه البخاري، وبيّنه والدنا الشيخ الأمين في أضواء البيان في الجزء الأول في كلامه عن الآية الكريمة: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ.

} [النساء:١٠٢] أن ذات الرقاع بعد الخندق.

وصلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف قيل: أربع مرات، وقيل: ست مرات، وابن العربي في القبس يقول: أربع عشر مرة، ولكن لم يبينها.

ويهمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف عدة مرات، وجاءت صفتها في عدة صور، فبعضهم يقول: في كل مرة كانت الصلاة على كيفية، وبعضهم يقول: الصلاة تغيرت صفاتها وتعددت كيفياتها بحسب حالة الميدان.