[حكم النفقة على الخادم]
قوله: (قال: عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك) : الخادم: يطلق على الأجير، وعلى المملوك، فإذا كان مملوكاً فنفقته واجبة عليه، وإن كان أجيراً فبحسب الشرط، وهناك الأجير الخاص والأجير العام.
فالأجير العام مثل أرباب الصنائع، كالنجار في الورشة، تأتي له بالخشب وتقول: أريد أن تصنع لي من هذا باباً، أو عنده الخشب، وتقول له: اصنع لي باباً مقاساته ومواصفاته كذا، ويأتي غيرك، ويقول له مثلك، وهكذا، فيتعاقد في الوقت الواحد مع عدد من الناس، فهذا أجير عام، ومثله الخياط تأتيه بالقماش ليفصل لك على مقاسك، ويأتي غيرك كذلك ويجتمع العديد، وكلٌ له ثيابٌ عنده يخيطه، فهذا أجير عام، وليس له على المؤجرين نفقة.
والأجير الخاص: هو الذي استفرغ وقته في خدمتك، بأن يكون معك، وأجرته على زمنه لا على عمل يده، أما الأجير العام فيأخذ الأجرة على عمل يده لا على الزمن، تقول له -مثلاً-: فصل الثياب بريالين، أو بعشرة، أو بعشرين، وسواء خاطه في ساعة أو أخره إلى أسبوع، ما لم يكن هناك شرط في موعد التسليم، فلا ينظر إلى الزمن في حق الأجير العام، ولكن ينظر فيما استؤجر عليه، هل أحسن خياطة الثوب أو أساء؟ هل أصلح الثوب أو أفسده؟ فهو المسئول عن ذلك.
بخلاف الأجير الخاص فأجرته على زمنه، لك عليه الأربع والعشرون الساعة، وله حق المنام والطعام، فهو يعطيك وقته كله، وأنت تأمره: افعل هذا، افعل هذا، وليس مشروطاً عليه عملٌ بعينه.
إذاً: الأجير الخاص -خادمك- نفقته عليك، ولهذا عليك أن تخرج زكاة فطرته في رمضان؛ لأن الزكاة -زكاة الفطرة- تابعةٌ للنفقة، واليوم أصبحت البيوت مليئة بالخدم والخادمات، وأصبح لهم عقود على أن الشهر كاملاً بكذا، فهذا الخادم إن كنت علمت بأنه في حاجة فعليك نفقته، ونحن نجزم بأنه ما تغرب، وترك بلده وربما ترك عياله، وربما ترك زوجه إلا للحاجة، وكذلك الخادمة ما تركت زوجها، وخرجت من بلادها إلا للحاجة والفاقة التي دفعتها، فإذا كنت تصدقت على الخادم أو الخادمة بما هو زائد عن النفقة، بثياب، بلوازمها، بدنانير من زكاة مالك، فهو أيضاً صدقة، وهذا يجبر خاطرها، ويشجعها على العمل.
لكن لا تعط الخادمة -مثلاً- صدقة من الصدقة لتزيد في عملها؛ لأن هذه مؤاجرة، فلا تعطها صدقة حتى تدفعها على الحماس في العمل، بل تصدق عليها لأنها محتاجة، ولأنك مشفقٌ عليها، وتعلم أن لها عيالاً في بلادها، وتريد أن تحول إلى أولادها أو والديها مصاريف، فزدتها من عندك عند التحويل، فهذه صدقة.
قال: (تصدق به على خادمك) وقد كثر الحث على الإحسان إلى الخدم، وسيأتي بيان حق الخادم؛ وأن له كسوته، وله طعامه، وله الإرفاق به، وأنه لا ينبغي أن يكلف من العمل فوق طاقته، (وإذا كلفتموهم فأعينوهم) .
وجاء أن أبا مسعود رضي الله تعالى عنه رآه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضرب خادماً له، فذكر له النبي صلى الله عليه وسلم أن الله أقدر عليه منه على ذلك العبد، أي: أنت لك القدرة عليه لأنه خادمك، ولا يستطيع أن يواجهك، ولكن الله أقدر عليك من قدرتك على خادمك؛ لأنه خالقك، فنظر أبو مسعود فإذا الذي يخاطبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتأثر وقال: هو حرٌ لوجه الله يا رسول الله, فجعل كفارة ضربه أن يطلقه، وأن يجعله حراً في سبيل الله.
وأيضاً هناك آثار في معاملة الخدم في البيوت: (لا تضربوا خدمكم على كسر الأواني، فإن لها آجالاً كآجالكم) ، البعض إذا كسر خادمه الكأس أو الصحن يضربه مستعلياً عليه، وهو غريب ضعيف في يدك، فلا ينبغي ذلك، لأن لها أجلاً، والبعض ربما يخصمها من أجرته؛ إن كان مفرطاً فاتركه يذهب لحاله؛ لأنه متعدٍ، أما إذا لم يكن مفرطاً ولا متعدياً فلا، فلو أنه انكسر في يدك أنت، ماذا تفعل؟ أو انكسر في يد زوجك أو ابنتك، ماذا تفعل؟ فهذه أمور تدخل تحت قضاء الله وقدره، ولا ينبغي أن يصب جام غضبه على خادمه من أجل شيء قدره الله سبحانه دونما تفريطٍ ولا تعدٍ.
قوله: (فقال: عندي آخر.
قال: أنت أبصر به) وفي بعض الروايات: (شأنك به) ، أي: ما دمت قد قدمت نفسك، ثم زوجك، ثم ولدك، ولم يذكر الوالدين، مع أن الوالدين بعد الزوجة والولد إذا كانا محتاجين، وفي الحديث: (أنت ومالك لأبيك) ، لكن بشرط ألاَّ يضر بالزوجة، ولا يضر بالولد، ولا بشريكٍ في المال، ولا أن يأخذ من مالِ ولدٍ يعطي لولدٍ آخر؛ لأن ذلك يوغر الصدور، حيث لم يكن قد أخذ من مال ولده لنفسه، بل أخذ من مال الولد لولد غيره، ولا يحق له ذلك، فإذا أدى الحقوق والواجبات التي عليه، الأول فالأول وكفى ذلك؛ فهو حر في الباقي، فإن أراد أعطاه صديقه، أو جعله في بناء مسجد، أو لفاعل خير، أو لطالب علم منقطع أو محتاج.
فما دام أن دائرة الواجبات قد كفيتها، فما وراء ذلك لك أن تنظر من أحق به، ومن أولى أن تعطيه إياه، وقدم الأهم فالأهم، أو الأحوج فالأحوج.