[شرح حديث: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه)]
قال رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه) متفق عليه.
وللحاكم (من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة) ، وهو صحيح] .
ذكر المؤلف رحمه الله من مبطلات الصيام الحجامة، والكحل، ثم جاءنا بمن أفطر أو أكل ناسياً، وكذلك أيضاً إذا احتجم ناسياً أو اكتحل ناسياً، فما حكم من تعاطى مبطلاً للصوم ناسياً بصفة عامة؟ يأتي المؤلف رحمه الله بهذا الحديث: (من أكل أو شرب وهو صائم ناسياً فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) .
هذا الحديث يعتبر منة من الله سبحانه وتعالى، ولطفاً من الله، فإنه لا يؤاخذ الإنسان في نسيانه: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة:٢٨٦] إلخ، وقال صلى الله عليه وسلم: (رفع لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) .
فإذا نسي الإنسان صومه، وتناول الماء تلقائياً وشرب، أو تناول الأكل تلقائياً وأكل، ثم تنبه بأنه صائم، ماذا يفعل؟ الحديث يقول: (فليتم) ، تذكر أنه صائم فليمسك، ويتم صومه بقية يومه، ولا يفطر بما أكله، قال الله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:١٨٧] ، والذي أكل أو شرب في نهار رمضان ما أتم الصوم، بل قطعه، لكن الحديث صريح بأن الإنسان يتم صومه، وأنه فضل من الله، وقد أطعمه الله وسقاه.
وقوله: (أطعمه الله وسقاه) هنا واضح، أكل وشرب حتى ولو شبع، كما في بعض الآثار أن جارية دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده ذو اليدين وهما يفطران، فقال: (هلم إلى الطعام) ، فجلست وأكلت، ولما انتهوا قالت: أوه! أنا كنت صائمة، نسيت.
فقال لها: أبعدما شبعتِ؟! فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: (أتمي صومك؛ فإنما أطعمك الله وسقاك) .
إذاً: تفسير: (أطعمه الله وسقاه) واضح، أطعمه ما أكل، وسقاه ما شرب، فالإطعام والسقيا هنا حقيقة واقعية لا تحتاج إلى تأويل، بخلاف (لي طاعم يطعمني، وساق يسقيني) ، فهناك فيه الإشكال، أما هنا فلا إشكال، أطعمه الله، أي: ساق له الطعام، وعفا له عن أثره، وصحح له الصيام، فهذه منحة جاءته من حيث لا يعلم.
والأئمة الثلاثة أبو حنيفة والشافعي وأحمد رحمهم الله يقولون: من أكل أو شرب ناسياً فلا قضاء عليه، ويتم صومه ولا شيء عليه.
ومالك رحمه الله يقول: عليه قضاء يوم مكانه.
لماذا -يا مالك - فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أطعمه الله وسقاه) ؟ قال: نعم، ولكن لم يقل: وليس عليه قضاء.
بل قال له: (يتم صومه) ، وكونه يتم صومه فصومه ماض، لكن في بعض الروايات: (ولا قضاء عليه) قال: لا تصح، والله تعالى يقول: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:١٨٧] ، وهذا لم يتم، (أطعمه الله وسقاه) هذه نعمة من الله، وأنه لم يؤاخذه على الأكل والشرب في رمضان؛ لأنه لو أكل أو شرب عامداً لكان عليه القضاء، ومع القضاء كفارة؛ لأن مالكاً يوجب الكفارة بالأكل والشرب، خلافاً لمن لا يوجبها إلا بالجماع.
فـ مالك أخذ الحديث على الرخصة أو على العفو، وطالب من أكل ناسياً بيوم مكان اليوم، ولكن الصحيح الواضح أن من أكل أو شرب ناسياً فإنه يتم صومه، وصومه كامل، ولا قضاء عليه، والله تعالى أعلم.