للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب إدخال الميت القبر من قبل رجليه]

وعن أبي إسحاق: (أن عبد الله بن يزيد أدخل الميت من قبل رجليه القبر، وقال: هذا من السنة) أخرجه أبو داود.

يذكر المؤلف رحمه الله تعالى هذا الحديث في كتاب الجنائز، ليبين كيفية إدخال الرجل الميت في القبر، وكذلك المرأة، وهو أنه يدخل من قبل رجليه، أي: من الجهة التي تكون فيها رجلا الميت، وبصفة عامة يستقبل بالميت القبلة، فيضجع على شقه الأيمن في القبر.

والقبلة هنا في المدينة جهة الجنوب -فيما يقابل الشمال- فتكون رجلا الميت إلى الشرق، ورأسه إلى الغرب، وذكر هذا الأثر أنه يدخل من جهة الرجلين، ويعبر عنه الفقهاء بقولهم: يسل من قبل رجليه.

وتقدمت الإشارة إلى ذلك بإيجاز، والحامل أن الجهات التي يدخل فيها الميت إلى القبر ثلاث: إما من جهة الرجلين، فيكون الرأس هو الذي يدخل إلى القبر أولاً، وإما من جهة الرأس فتكون الرجلان هما اللتان تدخلان إلى القبر أولاً، وإما عرضاً أي بعرض القبر، بأن يمدد الميت على حافة القبر من الجهة القبلية؛ لأن اللحد يلحد من الجهة القبلية، ويدخل الميت في اللحد مستقبلاً بوجهه القبلة، ويقف الذي يتناول الميت في القبر مستقبلاً بوجهه القبلة، ويتناول الميت من الحاضرين فوق حافة القبر من القبلة، وينزله حتى يضعه في اللحد.

هذه صورٌ ثلاث، أما هذه الصورة التي فيها أنه يدخل من قبل الرِجلين، ففيها هذا الأثر وغيره، وجاءت رواية أخرى تدل للصورة الثانية، وهو أنه يدخل من جهة رأسه، وتكون القدمان هما اللتان تدخلان في القبر أولاً.

وعند الإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه يدخل عرضاً بعرض القبر كما وصفنا؛ ولكن النووي رحمه الله نقل في المجموع عن الإمام الشافعي رحمه الله إبطال ما ذهب إليه أبو حنيفة، من أنه يؤخذ الميت عرضاً، قال: فإما أن يسل من جهة الرجلين، وهذا النص عندنا، وإما أن يسل من جهة الرأس، وهذا وارد أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم؛ فقد رأى أناس شعلة في البقيع، فذهبوا، فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم في القبر يمد يديه ويقول: (ناولوني ميتكم، وسله من جهة الرأس) فالحاصل أن في كيفية إدخال الميت في القبر هذه الحالات الثلاث: الحالة الأولى المشهورة: من جهة الرجلين.

والحالة الأخرى أضعف منها: من جهة الرأس.

والحالة الثالثة: ينزل إلى القبر عرضاً.

ولكن يمكن أن يقال: تكون صفة الإدخال بحسب ظروف المكان، فقد يكون المكان ضيقاً، ويكون التراب مركوماً إلى جهة، فيتعذر إنزاله من تلك الجهة، ويتيسر من جهة أخرى.

وتلك الحالات التي ذكرنا إنما هي في الأفضلية، والله تعالى أعلم.

وقبل أن ننتقل إلى مباحث أخرى، ننبه إلى أن بعض العلماء يذكر بعض الآداب فيما يتعلق بقبر الميت، منها: إذا أُدخل ميت في القبر، فعند الإدخال يؤتى بثوب كالخيمة يغطى به القبر، ويمسك من أطرافه، ليستر الميت عند إنزاله القبر عن عيون الناس.

قالوا: لأنه قد تحصل حالة من حالات الموتى التي تطرأ بعد الغسل، أو عند الحمل، أو غير ذلك، أو كان الكفن شحيحاً، فيكون هذا الغطاء ساتراً للميت عن أعين الناس.

وبعضهم يقول: يفعل هذا بالمرأة فقط، ولا يفعل بالرجل، ولكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك في الرجل فلا مانع، أما بالنسبة للمرأة فهو أمر معقول المعنى.

كما ينص بعض العلماء أنه يستحب أن يكون للمرأة نعشاً، بخلاف الرجل، والنعش هو القفص الذي يجعل على خشبة الجنازة، وقيل: إن أول من فعل ذلك هو علي رضي الله تعالى عنه، وضعه لـ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كراهية أن ترى أعضاء جسمها تحت الغطاء على خشبة الجنازة.

فعندما يتخذ هذا القفص يكون المرئي جرم القفص، وليس أعضاء المرأة، وإلى الآن صارت متبعة بأن المرأة يجعل لها نعش، أي: هذا القفص المجوف، ويكون حاملاً للغطاء؛ فلا تُرى أعضاء المرأة وهي على الجنازة، بخلاف الرجل.

هذا ما يتعلق بإدخال الميت وتغطيته.