شرح حديث: (كنا نصيب المغانم مع رسول الله ... )
قال رحمه الله: [وعن عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما قالا: (كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب -وفي راوية: والزيت- إلى أجل مسمى، قيل: أكان لهم زرع؟ قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك) ، رواه البخاري] .
هذا شرط من شروط صحة السلم.
قال: [كنا نصيب المغانم] .
والمغانم نقود وأعيان.
إلى آخره، فكانوا يستعيضون عن تلك المغانم بدراهم، فيأتي التجار من الأنباط وأمثالهم إلى المدينة فيسلفون يعطونهم الثمن سلفاً في سلع معينة كما ذكرها هنا: البر، والشعير، والزيت، والزيتون، وهذه كلها مكيلة أو موزونة، وألحق بهذه الأصناف ما أمكن انضباطه.
قوله: [إلى أجل مسمى] .
كما قال صلى الله عليه وسلم: (في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى زمن معلوم) ، وهذا الأجل يشترط فيه التأثير على الأسعار، لأن المسلم فيه تطرأ عليه تغيرات الأسواق من زيادة أو نقص، لماذا؟ لأن كلاً من المشتري والبائع إنما باع مراعياً تغير الأسعار، فالذي دفع الثمن دفعه على أن يؤتى له بالمبيع في مواعيده.
مثلاً: الناس الآن في المدينة والنخيل فارغة، فيأتي شخص إلى صاحب بستان ويسلفه ألف ريال في إردب من التمر، فالذي دفع الألف الآن يرتجي بأن الألف سيأتيه بإردب أرخص مما يكون في السوق، والذي أخذ الألف وتعهد بالإردب يستفيد من المبلغ ويرى بأن الإردب في ذلك الوقت أقل من ذلك الألف في هذه الساعة، فكل منهما يراعي المصلحة لنفسه؛ فإذا لم يكن هناك تغير لزمن الأسعار ما كانت هناك دوافع للمسلم ولا للمسلم إليه في بر أو زيت أو زبيب إلى أجل معلوم، فالأجل لابد أن يراعى فيه تغير الأسعار.
[قيل: أكان لهم زرع؟ قال: ما كنا نسألهم] .
يشترط في المبيع سلماً: ألا يقيده البائع ولا المشتري، كأن يشترط من نخل معين، أو نخلة معينة، أو زرع معين، أو تأتي إلى صاحب بستان لتشتري منه إردباً سلماً، فلا تشترط: أريد من بستانك الذي في قباء، أو الذي في العوالي، أو الذي في بير علي؛ لأن اشتراط كون المسلم فيه من مكان معين قد لا يثمر ذاك المكان، وقد لا يأتي بالكمية التي أسلمت فيها، فماذا تصنع؟ وبهذا تكون كأنك بعت معدوماً معيناً، وهذا لا يجوز، لكن أن تبيع شيئاً مستقراً في الذمة، سواء كان عندك في بستان ستأتي من ثمره، أو أرض ستأتي من زرعها، أو ليس عندك شيء، فالذي ليس عنده شيء ماذا يعمل؟ إبان الموعد يذهب ويشتري من السوق المعقود عليه، ويأتي به يسلمه للمشتري.
إذاً: من شرط صحة السلم: ألا يعين المصدر الذي منه المبيع سلماً؛ مخافة ألا يأتي من المعين، فإذا كنت عينت من بستان معين والبستان لم يأت بالمقدار الذي اشتريته، فسيقول لك صاحب البستان: أنت الذي عينت البستان، وهذا الموجود، لذلك اشترط أن يكون السلم ديناً في الذمة ليس معلقاً بمعين في الخارج.
قال: (أكانت لهم زروع؟ قال: ما كنا نسألهم) ، ولا لنا دخل، فنحن لنا المعقود عليه فقط، سواء كان مسروقاً أو زارعة أو هبة أو شراء، نحن دفعنا المال وانتظرنا السلعة، فإذا جاء وقت الأجل أخذت المسلم فيه، وليس لك أن تقول: من أين جئت به، والله تعالى أعلم.