وعن حذيفة رضي الله عنه قال:(صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فما مرت به آية رحمة إلا وقف عندها يسأل، ولا آية عذاب ... ) .
هناك مباحث عديدة فقهية تتعلق بالسجود في التلاوة في سورة السجدة، ملخصها: أن ما ثبتت فيه سجدة عنه صلى الله عليه وسلم إذا قرأها الإنسان وحده فهو بالخيار؛ فإن شاء سجد، وإن شاء لم يسجد، والسجود ليس بواجب، ولا فرض عليه؛ أخذاً بعمل أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه عندما خطب وقرأ آية سجدة، فنزل من المنبر وسجد وسجد الناس معه، ثم قرأ مرة أخرى بتلك الآية، وتهيأ الناس للسجود، فلم ينزل ولم يسجد، وقال: هي آية سجدة فمن شاء فعل، ومن شاء ترك.
أما إذا كان الإنسان يستمع، فيقولون: القارئ والسامع كلاهما يسجد إلا أن القارئ على نفسه، وبعضهم يجعل سجدة التلاوة كالصلاة يشترط فيها: الطهارة، واستقبال القبلة، ويرون عدم السجود في وقت النهي عن الصلاة، وآخرون يقولون: هي عبادة مستقلة لا علاقة لها بالصلاة، فحيثما سجد ولو بغير وضوء فلا بأس، أما المستمع فهو بين حالتين: أما القاصد فهو متابع للقارئ فإن سجد القارئ سجد معه، وإن لم يسجد فلا سجود عليه، وأما من استمع عفواً بدون إلقاء سمع فلا سجود عليه.
ويذكرون في ذلك: أن رجلاً قرأ آية سجدة عند عثمان رضي الله تعالى عنه، فسجد القارئ فسجد معه، ثم جاء شخص آخر وقرأ السجدة من أجل أن يسجد عثمان ولكن هذا القارئ لم يسجد فما سجد عثمان، فقال: يا أمير المؤمنين! قرأ فلان فسجدت وقرأت فلم تسجد؟ قال: لأنه قرأ فسجد فسجدنا معه، وأنت قرأت فلم تسجد فلم نسجد معك، ومن هنا قالوا: المستمع الملقي السمع للقارئ إن سجد القارئ سجد معه.
وهنا نقطة عند الأحناف دقيقة جداً: قالوا: لا سجود لسامع الصدى، والصدى هو: رجوع الصوت من جرم يصطدم به، وهذا يظهر عند الجبال، إذا كان الجبل مرتفعاً، وخاصة إذا كان قائماً ليس مدرجاً ولا بسفح طويل، أو إن كنت تمشي وأمامك جدار، فإذا اقتربت من الجدار تسمع صوتك، من أين جاء هذا الصوت؟ الصوت يذهب مع الهواء فيصطدم بالجرم الذي أمامه فيرجع، وكذلك الأذن إنما تأخذ صدى الصوت؛ لأن الصوت يأتي مع الهواء فيصطك بطبلة الأذن من الداخل، وكما يقول الأطباء: هناك شاقوص وسندان، فتتحرك إبرة الأذن بهذا الصدى فتنقل الصوت إلى الدماغ، والآن الصدى موجود معك في كل بيت، وهو: المذياع أو (الراديو) ، وهو عبارة عن جهازين: جهاز استقبال وجهاز إرسال، وجهاز الاستقبال يأخذ الصدى من المحطة التي ترسل، وجهاز الإرسال الذي يسمعك، فعند الأحناف لا سجود مع الصلاة هنا، فلو سمعت عبد الباسط أو الحصري يقرأ آية سجدة ومشى، فليس عليك سجود؛ لأنه هو بنفسه ليس ساجداً في الإذاعة ولا في القراءة.
مبحث سجود التلاوة مبحث واسع، وكنا قد جمعنا فيه بعض الأبحاث، وخلاصة ما يدور حوله في سجود التلاوة: أواجب هو أم سنة؟ ويذكرون في ذلك أخباراً عديدة منها: أن أبا قتادة أو غيره قرأ بسورة فيها سجدة، فسجد وكان بالدار شجرة فسجدت بسجوده، فقال صلى الله عليه وسلم:(نحن أحق بالسجود من الشجرة) ، لكن الحديث فيه مقال.
ويهمنا: أن سجود التلاوة مشروع، وقد ورد في القرآن في خمسة عشر موضعاً ويختلف الأئمة في موضع الآية؛ أهو قبلها بآية أو بعدها بآية؟ وهذا بحث فقهي توجد مباحثه في كتب الفقه جميعاً.