للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نسخ جواز الكلام في الصلاة]

قال رحمه الله تعالى: [وعن زيد بن أرقم أنه قال: (إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكلم أحدنا صاحبه بحاجته، حتى نزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:٢٣٨] فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام) ، متفق عليه، واللفظ لـ مسلم] .

هذا الحديث يشعر بأن الصلاة مرت بأطوار، وقد ذكر ابن كثير رحمه الله في تفسيره أن الصلاة مرت بثلاث حالات، منها الإعلام بها، فكان يعلم أحدهم صاحبه بالصلاة، فهذا الطور الأول، ثم جاء الأذان بعد ذلك.

وكان الرجل المسبوق يأتي فيسأل من في الصف: كم صليتم؟ فيشير بأصابعه ولا يتكلم: صلينا ركعة أو صلينا اثنتين، فيصلي المسبوق ما فاته بسرعة، ثم يلحق الإمام في الركعة التي هو فيها، ويتساوى معه في عدد الركعات، فإذا أتم الإمام صلاته يكون هو أيضاً قد أتم؛ لأنه أتى بما سبق به أول ما جاء، فإذا سلم الإمام سلم معه؛ لأنه أتى بما نقص عليه قبل أن يتابع الإمام.

فجاء معاذ بن جبل وقال: والله لا أجد النبي صلى الله عليه وسلم على حالة في الصلاة إلا تابعته عليها.

فجاء ذات مرة وقد فاته من الصلاة شيء، فدخل مع الرسول صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه، ولم يأت بشيء قبل، ولم يسأل أحداً، ولما سلم النبي صلى الله عليه وسلم علم ما الذي فاته من صلاته، فقام يقضي ما فاته، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم هذا العمل من معاذ فقال لهم: (إن معاذاً قد سن لكم في الصلاة سنة فاقضوها) .

فكان الواحد منهم يكلم صاحبه في الصلاة بحاجته، حتى نزل قوله سبحانه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:٢٣٨] .

ونص الآية الكريمة فيه عطف الخاص على العام، وهذا يستدعي الاهتمام بهذا الخاص على أفراد عمومه، ومثله قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ} [البقرة:٩٨] ، فجبريل داخل في عموم (ملائكته) ، ولكن عطف جبريل على عموم الملائكة يدل على خصوصية جبريل عليه السلام؛ لأن اليهود لما سألوا: من الذي يأتيك بالوحي يا محمد؟! قال: (جبريل) .

قالوا: هذا عدونا من الملائكة؛ لأنه يأتي بالعذاب، وأما ميكائيل فهو صديقنا؛ لأنه يأتي بالأرزاق.

فهم أبدوا عداوة لجبريل بخصوصه، فجاءت الآية الكريمة ترد عليهم: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ} [البقرة:٩٨] ، وخص جبريل الذي يتخذونه عدواً، فيكون عطف جبريل عليه الصلاة والسلام على عموم الملائكة لأمر أثاره اليهود بخصوصه هو.

وهنا كذلك قال الله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة:٢٣٨] ، والصلوات خمس صلوات، والوسطى منها بلا شك، فخص الوسطى من تلك الصلوات بالحث عليها بذاتها، فتكون موضع عناية ورعاية أكثر من عموم الصلوات الداخلة في اللفظ العام: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة:٢٣٨] .