قال رحمه الله: [وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال: (توفي رجل منا، فغسلناه وحنطناه وكفناه، ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: تصلي عليه، فخطا خطىً ثم قال: أعليه دين؟ فقلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة: الديناران علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حق الغريم وبرئ منهما الميت؟ قال: نعم، فصلى عليه) .
رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم] .
هذه مسألة طويلة الذيل، ويذكر ابن شبة أنه صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة كان إذا احتضر الميت آذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم به، فيذهب إلى بيته وينتظره حتى يقضي، ثم يجهزونه ويصلي عليه، فقالوا: لقد أكثرنا على رسول الله، فلو أننا نجهز الميت ثم نأخذه إلى بيت رسول الله ليصلي عليه هناك، فكان يذهب إلى البيوت ليصلي على الجنائز في المدينة، فأشفقوا عليه صلى الله عليه وسلم، واتفقوا على أن يحملوا الجنازة من مكانها إلى بيت رسول الله، فكان يصلي بها في مصلى الجنائز، ومكان مصلى الجناز هو هذا الحوش الذي ترونه محاطاً ما بين باب جبريل إلى باب البقيع الجديد، وكانوا قديماً يسمونه: فرش الحجر، وهو مصلى الجنائز، فكانوا إذا أتوا بالميت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه سأل عن دينه، ولم يكن يسأل عن أي عمل له، وإنما يسأل أعليه دين أم لا؟ والسؤال عن الدين خاصة يدل على شدة الاهتمام بالدين؛ لأن الميت مرهون بدينه في قبره، والشهيد الذي استشهد في المعركة وعليه دين مرهون بدينه حتى يوفي الله عنه يوم القيامة.
وقوله:(فخطا خطىً ثم قال: أعليه دين؟ فقلنا: ديناران، فتأخر وقال: صلوا على صاحبكم) ، كأنه يقول: صلاتي لا تنفعه، مع أن صلاته شفاعة له، ودعاء له بالمغفرة والرحمة، وقد سمع رجل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة جنازة فقال: تمنيت أن أكون أنا هذا الميت لهذا الدعاء! فقال أبو قتادة: صل عليه -يا رسول الله- والدين في ضماني، وقد روي مثل هذا عن علي، فقال صلى الله عليه وسلم:(حق الغريم، وبرئت ذمته) أي: هل الدين تحول عليك؟ فقال: نعم صار في ذمتي، وبرئت منه ذمة الميت، فتقدم وصلى عليه.
فهذا الضمان، فـ أبو قتادة ضمن بقضاء دين الميت، قالوا: يصح الضمان عن الميت.
وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم (سأل أبا قتادة من الغد فقال: ما فعل الديناران؟ فقال: يا رسول الله! إنما مات أمس، ثم من بعد الغد سأله: ماذا فعل الديناران؟ فقال: قد قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآن بردت عليه جلدته) .
ولهذا يقال: المدين تتم براءته من وقت السداد، لا من حين الضمان، فهو ضمنه قبل أمس، لكن ما سدد عنه إلا اليوم، فالآن بردت جلدته من حر الدين.