أخيراً: يأتي المؤلف رحمه الله ببيان ما يلتبس على الناس، لأن الحج يأتي كل سنة، ورمضان يأتي كل سنة، والصوم في رمضان كلما جاء رمضان واجب، فهل كلما جاء الحج وجب على المستطيع؟ فخطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال:(إن الله كتب عليكم الحج)(كتب) بمعنى: ألزم، وهي صيغة تكليف مؤكدة، وتأتي في الأمور الهامة:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ}[البقرة:١٧٨] ، {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ}[البقرة:١٨٠] ، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}[البقرة:١٨٣] .
(إن الله كتب الحج) أي: أوجبه بكتابه، وجاء في الكتاب الكريم:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}[آل عمران:٩٧] فقام: الأقرع بن حابس -وهو سيد في قومه- وقال:(يا رسول الله! كتب الله علينا الحج، والحج يأتي كل سنة، أفي كل سنة نحج؟) أي: يكون التكرار بتكرار موجبه كما في رمضان؟ فرمضان جاء فيه:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة:١٨٥] ، فكان إلزاماً لكل من شهد الشهر بأن يصومه، ولكن هنا قال:{مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران:٩٧] .
فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم:(لو قلت: نعم، لوجبت، ولم تستطيعوا) وفي بعض الروايات: (دعوني ما تركتكم، إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه) .
ثم بين صلى الله عليه وسلم أن الحج في العمر مرة واحدة، وما زاد عن المرة فتطوع، ومتى يكون؟ لم يحدد، فإذا كرر الحج كل سنة، فهو طيب.