[وقت صلاة الجمعة]
قال المصنف رحمه الله: [وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به) متفق عليه، واللفظ للبخاري] .
هذا شروع في بيان وقت الجمعة، فيقول سلمة: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به) .
ومن المعلوم أن الظل قسمان: ظلٌ قبل الزوال يمتد إلى الغرب، وظل بعد الزوال يمتد إلى الشرق، فيقول: ننتهي من الصلاة ونخرج وليس للحيطان ظل، أما ظل الغرب الذي قبل الزوال فليس بموجود، وأما ظل الشرق الذي بعد الزوال فلم يوجد بعد فيكون هذا في وقت الزوال.
والمصنف يأتي بهذا لأنهم يبحثون في وقت الجمعة، فهناك من يقول: الجمعة عيد من أعياد المسلمين، فوقتها وقت صلاة العيد إلى ما بعد الزوال.
والجمهور يقولون: إن وقت الجمعة هو بعينه وقت الظهر، والظهر لا يجب ولا يصح إلا بعد الزوال وهذا من أدلة الجمهور على هذا التوقيت، أي: أنها بعد الزوال كما هو الحال في الظهر.
وهذا الحديث يبين أموراً تقريبية؛ لأن ظل الزوال عند الجمهور يختلف باختلاف فصول السنة، فهو في الشتاء يختلف عنه في الصيف، فإذا تساوى الليل والنهار فإن ظل الزوال يتلاشى، وإذا طال النهار يطول الظل، وإذا قصر النهار يقصر الظل -أي: ظل الزوال- ولذا يقول الفقهاء في توقيت العصر: هو حين يصير ظل كل شيء مثليه ما عدا ظل الزوال، فظل الزوال أمرٌ نسبي، فقد يطول وقد يقصر، ولكن الراوي يبين لنا تقريبياً متى كانوا يصلون الجمعة.
[وفي لفظ لـ مسلم: (كنا نجمع معه إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء) ] .
هذه رواية صحيحة، ومعنى: (كنا نجمع معه) يعني: كنا نصلي الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ننصرف نتتبع الفيء، والفيء: هو الظل بعد الزوال تقول: فاء إلى الشيء: إذا رجع إليه، ولذا قالوا الظل بعد الزوال فيء؛ لأنه قبل الزوال كان الظل إلى الغروب، وبعد الزوال فاء ورجع إلى الشرق.
[وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة) متفق عليه] .
هذا يعتبر صورة من صور المجتمع في ذلك الوقت فقوله: (ما كنا نقيل) أي: نوم القيلولة، (ولا نتغدى) الغداء: الأكل في غدوة النهار.
وفي وبعض الروايات: (ولا نريح رواحلنا -أي: التي تعمل في البساتين- إلا بعد الجمعة) ، وهذا فيه إشارة إلى التبكير قبل الزوال، ولكن لما جاء النص: (نجمع بعد الزوال) انتهينا من هذا الإشكال.
فقوله: (ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة) ، وفي رواية: (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) يبين لنا أن هذا العمل كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلوات الله وسلامه عليه هو الذي كان يصلي بهم الجمعة ولا جمعة إلا في مسجده وبإمامته صلى الله عليه وسلم، فهذا هو التوقيت الذي نقل إلينا من فعله صلوات الله وسلامه عليه، ونعلم جميعاً أن الجمعة في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين جميعاً ما تعددت، ولا أقيمت إلا في هذا المسجد النبوي الشريف، حتى إن أهل العالية وما وراءها كانوا يأتون إلى الجمعة في هذا المسجد، ولم يسمح لهم بجمعة في ديارهم، ولا على مياههم.