وقد جاء في حديث آخر:(البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها) ، وهذا لا يتعارض مع البصق تحت قدمه اليسرى في المسجد؛ لأن البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها، فإذا بصق تحت قدمه اليسرى ودفنها فقد كفّر عن خطيئته وتجنب تجاه القبلة واليمين، ولكن هذا إذا كان المسجد تراباً ويمكنه أن يدفنها.
وإذا أمكن أن يتجنب البصاق في المسجد -ولو تحت قدمه- كان أولى، ولا يقل: لا بأس فهي خطيئة مكفرة، فبما أنها خطيئة تحتاج إلى تكفير فالأولى تركها، فقد جاء في بعض الروايات:(أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ طرف ردائه بيديه، وبصق في طرف الثوب، ثم طبق الثوب وحكها) ، ليتشربها الثوب بدلاً من أن تكون في أرض المسجد.
وفي بعض الروايات:(لا يبصق أحدكم في المسجد فيؤذي بها أخاه المسلم في بدنه أو ثوبه) ، حتى لو دفنها فقد يأتي إنسان يجلس يتحرك فوقها، فيمكن أن تصل إليه فتؤذيه في ثوبه، وإذا كان بالإمكان تلافي هذه الخطيئة، فلا داعي لإيقاعها أصلاً، حتى لا نذهب ونبحث عن كفارتها.
وكل ذلك مراعاة لطبيعة المسجد في أول أمره، وقد مكث المسجد طويلاً وأرضه الحصباء، بل كانت طيناً، فقد جاء في حديث ليلة القدر:(رأيتني أسجد صبيحتها في ماء وطين) ، فأمطرت السماء وكان سقف المسجد من السعف والجريد، كما جاء عن بعض الصحابة قوله:(فوكف السقف إلى الأرض، ولقد رأيت الطين على أرنبة أنف رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
وبعد هذه الحادثة تعذرت الصلاة في الأرض التي فيها طين، فذهب كل رجل وجاء بالحصباء في طرف ردائه، وفرشها في محل صلاته وصلى عليها، وكثر هذا العمل، ففرش المسجد بالحصباء بأطراف أرديتهم، فنظر إليه صلى الله عليه وسلم فقال:(نعم هذا) .
ويمكن أن نقول: هذا عمل جماعي في مصلحة عامة، وفي مثل هذه الحالة ينبغي على المقيم من الرعية أن يساهم، ولا ينتظر من المسئولين أن يقوموا بكل شيء؛ إذ قد لا يستطيعون، أما إذا كانوا يستطيعون، وفي بيت المال ما يكفي لذلك، فعليهم أن يفعلوا، وهذه مهمتهم؛ لما لديهم من الإمكانيات في ذلك، أما في حالة عجزهم، أو إمكان إنجازه من قبل الرعية المقيمين، وتوفير ما في بيت المال لغيره فإن علينا أن نتعاون.