للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استقبال القبلة]

قال صلى الله عليه وسلم: (ثم استقبل القبلة) ، ومعلوم أن الرجل كان يصلي إلى القبلة؛ لأنه رأى الناس يصلون إليها، ويعرف أن الصلاة تكون باتجاه القبلة، لكن لما كان الحديث في سياق التعليم شملها، وجاءه بمقدمة الصلاة وهو إسباغ الوضوء، ثم بأول حركة في الصلاة للإنسان وهي: استقبال القبلة.

وبالإجماع أن الصلاة لا تكون إلا للقبلة، ما عدا في بعض الأحوال الاضطرارية أو التي يكون فيها تسامح، مثل النافلة في السفر، والفريضة في السفينة والطائرة في الوقت الحاضر، فقد يتعذر على الإنسان استقبال القبلة، فيتسامح فيها، {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:١١٥] .

إذاً: الأصل استقبال القبلة في الفريضة، ويسقط هذا الأصل في النافلة، كما كان صلى الله عليه وسلم في سفره يصلي ورده بالليل على راحلته حيث توجهت به، فقد تكون القبلة وراءه، مثل أن يأتي من مكة إلى المدينة ويريد أن يصلي صلاة الليل، فلن يوقفها، وليس هو ذاهب ناحية مكة، فيصلي وهو مستدبر القبلة، وهذا لظروف السفر، وهذه الصلاة نافلة، أما الفريضة فلا تكون على ظهر الرواحل، ولا لغير القبلة، فينزلون ويصلون على الأرض، ويتمكنون من السجود، بخلاف الراحلة فإنه سيومئ عليها إيماءً، اللهم إذا كان هناك مطر وطين ولا يستطيعون السجود حتى في الأرض، فإذا كان ليس هناك سجود في الأرض فإنهم يبقون على رواحلهم، ويومئون على الرواحل بدلاً من أن يومئوا على الأرض؛ بسبب المطر والطين، وقد تقدمت التفصيلات في استقبال القبلة، وأن الفرض على البعيد هو استقبال الوجهة: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة:١٤٤] {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:١٤٤] ، فمن كان في المدينة، لا يتأتى له أن يستقبل عين الكعبة، ويكون مسامتاً لها كالسهم، ثم إن خطوط الأرض بطولها وعرضها لا يمكن أن تحصر في سمت الكعبة، فيكون هناك مشقة بتكليف البعيد استقبال عين الكعبة، والفقهاء يقولون: الناس بالنسبة إلى الكعبة من حيث القرب والبعد ثلاثة أقسام: القسم الأول: قسم يصلي في داخل المسجد الحرام، فهذا يتعين عليه أن يكون مسامتاً للكعبة، الصف حلقة دائرة، وحيثما كان يكون صدره مقابلاً لبنية الكعبة، هذا إذا كان في نفس المسجد.

القسم الثاني: من كان في بيوت مكة، فيجب أن يستقبل المسجد لا عين الكعبة.

القسم الثالث: من كان آفاقياً خارج مكة إلى آخر محيط الدائرة في الكرة الأرضية، فإن قبلته شطر المسجد الحرام.

نحن الآن في المدينة شمال مكة، ومكة في الجنوب، فكل من توجه إلى الجنوب فهو مستقبل القبلة؛ لأن الشطر الجهة، أو نصف الكرة، النصف التي هي فيه من هناك، والنصف الذي نحن فيه من هنا.

(فاستقبل القبلة) ، أي: بالقدر الذي تستطيعه، بما يتوجب في حقك بالنسبة إلى بعدك أو دنوك من الكعبة؛ لأن هذا تعليم عام؛ فيتوجب على كل من كان داخل الحرم أن يستقبل عين الكعبة، ومن كان بمكة إلى موطن الحرم، ومن كان بعيداً إلى شطر مكة.