شرح حديث:(أمره أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة ... )
قال رحمه الله: [وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: (أمره أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة قال: فكنت آخذ البعير ببعيرين إلى إبل الصدقة) رواه الحاكم والبيهقي ورجاله ثقات] .
تقدم التنبيه على هذا الحديث عند الكلام على حديث سمرة: نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، والعلماء قالوا: عارضه حديث ابن عمرو أنه كان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة، يعني: ربا فضل وزيادة.
وكذلك حديث أبي رافع:(استسلف صلى الله عليه وسلم بكراً، فلما جاء صاحب البكر قال: أوفوه، قال أبو رافع: فبحثت فلم أجد بكراً في الإبل، وإنما وجدت رباعياً، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعطه إياه، إن خيركم أحسنكم وفاءً) .
وأشرنا إلى تفسير الشافعي لبيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وهو أن يكون كلا الطرفين نسيئة وغائباً، ومذهب أبي حنيفة وأحمد أن حديث سمرة نسخ الحديثين الآخرين، وذكرنا أن سند الحديث فيه مقال، وأنه مرسل، وهذا جزء مما تقدم الكلام عليه هناك، ويهمنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كلف عبد الله بن عمرو بن العاص أن يجهز الجيش، مثل وزير الدفاع، أو وزير المالية، أمره أن يجهز الجيش، وسيجهزه من إبل الصدقة، مما يوجد للمسلمين، فإن لم يوجد تصرف، إذاً: تسند الأمور إلى من يقوم بها، وهذا مما ذكره صاحب كتاب: التراتيب الإدارية في الحكومة الإسلامية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر من يتولى أمر الصدقة، ومن يتولى أمر الجيوش، ومن يتولى أمر العدالة، ومن يتولى الحراسة، وهكذا، ويكون هناك بداية تخطيط لدولة قائمة، فهذا عبد الله بن عمرو يأمره صلى الله عليه وسلم أن يجهز جيشاً، فنفدت الإبل، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يأخذ من الناس، ويقولون: ولي الأمر له عند الشدة والحاجة -وخاصة عند الحروب- أن يأخذ من الأثرياء قرضاً أو هبة، فإذا وجدت حالة شدة، مثل أن يدهم العدو البلد، أو علم ولي الأمر أن جيش العدو مقبل وليس عنده في صندوقه أو بيت المال أو وزارة المالية ما يجهز ما يقابل به هذا الجيش؛ فله أن يفرض على الأغنياء من أموالهم ما يجهز به الجيش الذي يدافع عن البلد؛ لأنه يدافع عنهم أنفسهم، ومن هنا: فهناك من يأخذ ذلك قرضة، وهناك من يأخذ ذلك مصادرة؛ لأنه حماية للبلد، وحماية لأمن الدولة، وكما يقولون: الأمن القومي، أمن الدولة، وقد نص الفقهاء على أن لولي أمر المسلمين ذلك، ولكن يجب أن يكون ذلك مع حفظ الحقوق، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز الجيش، فلما نفدت الإبل أمره أن يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة، وهذا يدل على أنه لا ربا في الحيوان، وهناك نهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة يثبت أن ربا النسيئة يقع في الحيوان، ومالك فرق وقال: إذا كان الحيوان بجنسه فربا، وإذا كان بغير جنسه فلا، فمثلاً: لو اشترى فرساً ببعير، أو اشترى بعيرين بفرس، اختلف الجنس فلا مانع أن يكون نسيئة، والجمهور على ما قدمنا في هذا الحديث، وهو دليل على أنه لا ربا في الحيوان، لا ربا الفضل؛ لأنه يأخذ الواحد باثنين، ولا ربا النسيئة؛ لأنه يدفعها من إبل الصدقة حينما يأتي المصدق في آخر العام بالإبل، والله تعالى أعلم.