شرح حديث: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً)
قال رحمه الله: [وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، إلى قوله: من المسلمين) ] .
هذا يذكره علي رضي الله تعالى عنه إذا قام إلى الصلاة، وهل يقوله في الصلاة أم خارجها؟ يقوله: في الصلاة بعد أن يكبر تكبيرة الإحرام.
و (فطر) أو (خلق) كلاهما ورد في الشرع، وفطر بمعنى: أوجد على غير مثال: {فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأنعام:١٤] ، وكذلك: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة:١١٧] ، بأن أوجد الشيء على غير مثال يحاكيه، فطر السماوات والأرض، وفي هذا تعظيم لله واعتراف بربوبيته وقدرته سبحانه وتعالى وجهت وجهي لمن يستحق أن أتوجه إليه بسبب عظمته وقدرته.
حنيفاً: أي: مائلاً عن الشرك مسلماً لله، (وما أنا من المشركين) يتبرئ من الشرك في هذا المقام: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:١٦٢] ، والنسك كل العبادات، ومحياي، أي: مدة حياتي وما أتصرف به في الحياة.
إن بعت، أو اشتريت، أو كافأت، أو عاملت يكون كل تعاملي لله، بمعنى: أن أراعي فيه ما شرع الله، وأقصد فيه رضا الله، وأتبع فيه ما شرع الله حياتي لله، العالم كله لله رب العالمين، فهذا الإنسان يجدد الإقرار والشكر لله.
(محياي) مصدر ميمي أو اسم زمان أيضاً، وحياة الإنسان كلها لله، إن نام لله، وينوي بذلك شكر الله على نعمة الصحة والعافية، والاستعانة على ما سيأتي من عمل آخر، وإن قام وسعى لله، وإن اكتسب لله؛ لأنه يصرفه في سبيل الله.
ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً مع أصحابه، فمر شاب فتى قوي، فقال أحد الحضور: لو كان هذا النشاط في سبيل الله؟! يعني: بقوته ينكأ في العدو، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله -أي: خير من أن يتكفف الناس السؤال- وإن كان خرج يسعى على أبويه فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على زوجه وعياله فهو في سبيل الله) .
إذاً: معنى محياي: أنني ما تحركت حركة ولا اكتسبت مكسباً إلا لله، ولأجل أن يصرف في سبيل الله سبحانه وتعالى، وكذلك مماتي مرده لله رب العالمين لا شريك له.
{وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٣] {وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] ، وبذلك أمرت بأن تكون حياتي كلها لله، كما في الحديث: (حتى أحبه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يسعى بها) ، هل الله سبحانه وتعالى سيحل في الإنسان، ويكون عينه وسمعه وبصره ويده ورجله؟! حاشا لله! لكن المعنى: أنه لا يسمع إلا ما يرضيني، فلا يتصنت إلى ما لا يجوز له، ولا يستمع إلى ما حرم الله، ولا يشارك في غيبة ولا نميمة، وبصره لا ينظر به إلى الحرام، بل ينظر نظرة اعتبار وتأمل في خلق الله: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} [آل عمران:١٩١] ، فإذا عرض له محرم غض بصره، وكذلك يده لا تمتد إلى ما حرم الله، ولكن تعمل وتسعى فيما هو لله، وكذلك محياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين أو وأنا أول المسلمين، إن قال: أول المسلمين فلا بأس تبعاً للنص، وإن قال من المسلمين على العموم فلا مانع من ذلك، والله تعالى أعلم.
هذا من صيغ الافتتاح ولك أن تأخذ بهذه الصيغة، أو أن تكتفي في افتتاح صلاتك بما جاء عن علي رضي الله تعالى عنه.
وفي رواية: (إن ذلك في صلاة الليل) ، وسواء في صلاة الليل، أو النهار أو أي حالة من الحالات فإن هذا نوعاً من الدعاء الذي يأتي به الإنسان في افتتاح صلاته.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبيه وحبيبه محمد وعلى آله وصحبه وسلم.