المعدن من مادة عَدَن، وعَدَنَ بمعنى: أقام، ومنه كما يقولون:(جنة عدن) بمعنى: دار الإقامة، وهذه المعادن مقيمة في الأرض من يوم أن خلقها الله حتى يكتشفها الإنسان.
ولولي الأمر أن يقطع من شاء ما شاء ما لم تتعلق به منفعة الجماعة.
فإذا كان هناك ماء يسقي عدة مزارع، فليس لولي الأمر أن يقطع هذا الماء لشخص وحده؛ لأنه يفوت المنفعة على الآخرين، وفيه مضرة، فكذلك المعدن الذي فيه منفعة عامة، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: أنه أقطع فلاناً ملحاً، أي: معدن ملح، ثم قيل له: يا رسول الله! أتدري ما أقطعت فلاناً؟ قال: أرضاً، كان يعتقد صلى الله عليه وسلم أنه أقطعه الأرض ليزرعها ويستثمرها، قالوا: إنك أقطعته الماء العدة، والعد أي: الذي يستخلف، وكلما ذهب شيء جاء شيء آخر كالبئر الذي تأخذ الماء ويستخلف غيره، فاسترجعه صلى الله عليه وسلم ممن أقطعه إياه؛ لكونه يستفيد منه الجميع فلا يحصره على فرد؛ لأن الذي يستفيد منه الجميع هو ملك للجميع.
ولهذا قالوا: إن الإمام يقطع من المواد ما لا يتعلق به مصلحة لفرد أو لجماعة، فإذا كان المعدن يستفيد منه الجماعة كالماء والملح أو الكبريت أو الشيء يرجع على أهل الحي أو أهل المنطقة، فلا ينبغي أن يقطعه الإمام لشخص معين، وإذا أقطعه وهو لا يدري عن حقيقته استرجعه وتركه عاماً لجميع المسلمين، وهنا معدن القبلية.
والمعدن ما حكمه وما هو؟ يقول الإمام الشافعي رحمه الله: المعدن خاص بالذهب والفضة، وما عداه لا يعتبر معدناً ولا يطالب صاحبه بشيء.
وعند الحنابلة أن المعدن كل ما كان في الأرض من غير جنسها وله قيمة، كما يقول ابن قدامة في المغني، فهو عندهم كل ما كان في الأرض من غير جنسها، أي: من غير التراب.
ويوجد فيها من غير جنسها: الذهب، الفضة، النحاس، الكبريت، الزئبق، القصدير، الكحل، وعدد أشياء كثيرة حتى من الجواهر الألماز يكون أيضاً من الأرض، والأحجار الكريمة إذا كانت في باطن الأرض، حتى الأمور السائلة ومثَّل بالقار وبالنفط والكبريت إذا كانت سائلة في بطن الأرض، فكل ذلك يسمى عند الحنابلة معدناً؛ لأنه عدن في الأرض وهو من غير جنسها وله قيمة.
وعند الأحناف أن المعدن: ما كان صالحاً للذوبان والطبع، كأن يطبع سبائك أو قوالب، فيخرج عن ذلك الكبريت والزئبق والقار والنفط، ويخرج عن هذا ما ليس بمعادن؛ لأنها غير قابلة للإذابة بالنار وطبعها سبائك أو قوالب، ويصدق هذا على الذهب والفضة والرصاص والنحاس والقصدير، فهذه كلها تذاب وتصب في قوالب وتكون سبائك أو أحجاماً.