[آراء الأئمة رحمهم الله في الخلطة]
نأتي إلى موقف الأئمة رحمهم الله في تأثير الخلطة في الزكاة فيما تجب فيه الزكاة أو لا تجب: عند أحمد رحمه الله مال الخليطين أو الخلطاء إذا كان مجموعه نصاباً، فإنه يزكى ولو لم يكن لكل واحد من الخلطاء نصاب كامل، فلو وجد أربعون شخصاً، لكل واحد شاة، وخلط الأربعون -على ما تقدم- وجاء العامل فوجد أربعين شاة عند راع واحد على بئر واحد وهي خلطة، فإنه يأخذ شاة من الأربعين، وإن كان لا يوجد في الأربعين الخلطاء نصاب مستقل، بل ينص ابن قدامة في المغني: لو أن الأربعين بين اثنين، واحد له تسعة وثلاثون، والآخر له واحدة، أو أجر صاحب الأربعين أجيراً يرعاها على شاة من الأربعين، وجاء العامل فهم خلطاء؛ لأن الراعي له واحدة أكملت الأربعين، فهم خلطاء، فالعامل يأخذ شاة، ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة.
إذاً: الخلطة تجعل المال المختلط كمال رجل واحد.
وعند أحمد رحمه الله: حتى لو كان لكل واحد شاة، ولو كان لأحدهما ثلاثون والثاني له عشر، فكذلك.
أما مالك رحمه الله فيقول: لا تأثير للخلطة إلا إذا كان لكل واحد نصاب.
إذا كان ثلاثة أشخاص كل واحد يملك أربعين شاة، ولكن كل يرعى غنمه على حدة، وكل أربعين فيها فحلها، ولها راعيها، ومراحها ومسرحها، وبئرها أو حوضها الذي تشرب منه، حتى وإن كانوا يردون بئراً واحدة، لكن لكل صاحب أربعين حوض من الجلد يملؤه ويسقي غنمه، فإنهم يكونون مفترقين، فإذا جاء العامل أخذ من كل واحد شاة؛ لأن كل واحد امتلك أربعين منفردة عن الأخرى.
وأما إذا جاء ووجد الثلاثة قد خلطوا الثلاث الأربعينات مع بعض، وتمت صفة الخلطة: فالراعي واحد، والفحل واحد، والمحلب واحد، والحوض الذي يشربن منه واحد، والمبيت في محل واحد، أي: أنه تمت شروط الخلطة، فإن العامل على جمع الصدقة يأخذ شاة واحدة.
إذاً: في حالة الافتراق على كل واحد شاة، وفي حالة الاجتماع تخرج شاة عن الجميع، لكن لو زادت واحدة ولو من أحد الثلاثة يكون فيها شاتان، فالثلاث الأربعينات اجتمعت وفيها شاة واحدة، لأن خلطة المال جعلته كأنه الشخص الواحد.
وعندما جاء العامل وأخذ شاة فلابد أن تكون من شياه واحد من الثلاثة، فهل يتحمل عنهم زكاة غنمهم؟ لا.
(ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) أي: لا يأتي هؤلاء الثلاثة ويقولون: والله العام القادم سنخلط.
بالأمس كان كل شخص بمفرده، فيجمع بعضهم إلى بعض من أجل أن يأتي العامل ويجد مائة وعشرين شاة فيقولون له: خذ شاة واذهب.
ثم يرجعون إلى الانفراد، هذا لا يجوز، ولا أن يأتي العامل ويقول: لمن الغنم هذه؟ فيقولون: لزيد وعبيد وعمرو ولكنها هي خلطة، فيقول: فرقوها.
من أجل أن يحصل على ثلاث شياه، فهذا لا يجوز، لأنه إذا تمت الخلطة فلا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة.
وما كان من خليطين فأكثر فإنهما يتراجعان أو يتراجعون بحسب ملكهم، فمثلاً: عندنا ثلاثة، وملكهم متساوٍ، فكل واحد له أربعون شاة، فعلى كل واحد ثلث شاة، فإن كان المأخوذ من مال زيد فله عند كل من الخليطين ثلث شاة، فنقدر قيمة الشاة التي أخذها العامل، فإذا قدرت بثلاثين ريالاً، فكل واحد من الخليطين يدفع له عشرة ريالات.
لو قدر أن المائة والعشرين بين اثنين، واحد له أربعون شاة، وآخر له ثمانون، وتمت الخلطة، وجاء العامل، لا نفرقهم حتى يأخذ شاة من صاحب الأربعين وشاة من صاحب الثمانين، وكذلك هم لا يجتمعون عندما يسمعون بمجيء العامل؛ لأنهم اشترطوا في صحة تأثير الخلطة أن تكون الخلطة طيلة العام، أما إذا كانوا منفردين وفي نهاية العام خلطوا، قالوا: لكي يأتي العامل ونحن مجتمعون فلا يجوز، وإذا جاء العامل وهم على خلطتهم، وتمت شروط الخلطة، فلا يفرق بينهم، بل يأخذ شاة واحدة، ويتراجعان فيما بينهما بالسوية، إن كانت أخذت الشاة من صاحب الأربعين فعلى صاحب الثمانين ثلثي الشاة، وإن كان أخذها من صاحب الثمانين فصاحب الثمانين له على صاحب الأربعين ثلث الشاة.
الإمام مالك يقول: إذا كانت الخلطة بين أربعين وثمانين فهذا صحيح، لكن لو وجد واحد له ثلاثون وآخر له عشر شياه، فهذه ليس لها تأثير؛ لأن كلاً منهما لا يملك النصاب، ولم يعتبر مالك تأثير الخلطة إلا إذا كان فيها ملك نصاب من أحد الخلطاء.
طيب! وجدناها خمسين شاة، أربعون منها لواحد وعشر لواحد آخر، قال: هنا الشاة على صاحب الأربعين، وصاحب العشرة ليس عليه منها شيء.
والإمام أبو حنيفة رحمه الله يقول: لا تأثير للخلطة ألبتة، سواء امتلك كل واحد نصاباً كصاحب الأربعين والثمانين أو لم يمتلك أحدهما نصاباً، فكل زكاته على حدة إلا شركة الأعيان، فهذه شركة مشاعة.