[مشروعية تعلم المصارعة وإتقان رياضة الدفاع عن النفس]
أما المصارعة فكانت مع ركانة قبل الهجرة، وكان ركانة لا يصرعه أحد، فقال له صلى الله عليه وسلم:(ألا تسلم يا ركانة؟! قال: يا محمد! صارعني فإن غلبتني فلك شاة! فصارعه رسول الله عليه الصلاة والسلام فصرعه، فقال: واعجبا! والله ما أحد قبلك ألصق جنبي بالأرض، هذه شاة، أتعود يا محمد؟! قال: نعم، فصرعه الثانية، فأعطاه الشاة الثانية، قال: الآن الثالثة وهي النهاية، فعادا المرة الثالثة فصرعه فأخذ ثلاث شياه.
فقال ركانة: يا ويلتاه! ماذا أقول لأهل الغنم في ثلاث شياه في وقت واحد؟ إن قلت: واحدة أخذها الذئب، وواحدة هربت فلم أدركها، فماذا أقول في الثالثة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يا ركانة! لا أجمع عليك غبنين: غبن الانهزام وغبن الشياه، خذ شياهك فهي لك.
فتعجب من شجاعته وقوته ثم من كرمه صلى الله عليه وسلم، قال: أتعجب من هذا يا ركانة؟! قال: إي والله يا محمد! قال: ألا أريك ما هو أعجب من ذلك؟ قال: بلى، فنظر صلى الله عليه وسلم إلى شجرة هناك فأشار إليها أن هلم إليّ، فجاءت تخط الأرض كالمحراث، حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لها: عودي حيث كنت! فرجعت كما كانت؛ فأسلم ركانة) .
أعتقد أن مهندسي الزراعة في العالم كله في الأراضي الباردة والحارة، لا يستطيعون أبداً أن يدركوا أو يكيفوا كيف انجذبت جذورها! وكيف جاءت تخط في أرض يابسة! ثم رجعت إلى مكانها وهي على حالها! كيف حصل هذا؟! هذا أمر غريب على العقل، ولكن المعجزة فوق إدراك العقل وتصوره.
إذاً: صارع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمصارعة من الإعداد للجهاد، فقد يكون القتال بالسلاح الأبيض، ومن شارع إلى شارع، ومن دار إلى دار، فيضطر المقاتل عندها إلى القتال باليد، وإن كان القتال الآن بالأسلحة الذرية وبالاقتصاد وبأشياء كثيرة؛ لكن قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَة}[الأنفال:٦٠] ، يشمل كل قوة، ولا حد للاستطاعة ألبتة.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم مر على شباب يتبارون في حمل صخرة، فبعضهم يقدر على رفعها، وبعضهم يعجز، فقال:(أريكم؟ وحملها بين يديه ورفعها ووضعها) ، وهذا حمل الأثقال.
وكذلك سابق عائشة فسبقته مرة وسبقها مرة، وكان مرة على ناقته القصواء فسبقها أعرابي فقال:(حق على الله ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) .
يهمنا أن الصحابة كانوا يخرجون من صلاة المغرب، وينظرون مواقع نبلهم، وعند العرب أن من اتصف بثلاث صفات سمي كاملاً وهي: أن يكتب بالقلم، ويجيد الرمي، ويحسن السباحة، فمن اجتمعت فيه تلك الخصال الثلاث قالوا: إنه من الكمل، أي: كملت صفة الرجولة فيه.