النوع الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن شرطين في البيع.
تمهيداً لهذه المسألة -كما يذكر الحنابلة- في الصورة: حمل الحطب وتكسيره، فمثلاً: اشتريت حطباً من حطاب، واشترطت عليه أن يحمله إلى بيتك، ثم اشترطت مع حمله أن يكسره إذا وصل، ونحن نقول في المقدمة: إذا اشتريت الحطب من الحطاب، وانتهيت بالثمن، ثم سألت الحطاب: أريد من يحمله لي إلى البيت، هذا الحامل الذي سيحمله لك، ماذا يسمى بالنسبة إليك، بائع أم أجير؟ أجير، فقال لك الحطاب: أنا أحمله إلى بيتك، كم تدفع؟ اتفقت معه على أجرة الحمل، وأوصل الحطب إلى البيت، وأعطيته أجرة حمله، فأنت عندما كنت في السوق كنت مشترياً، وهو بائع، وهو هنا أجير وأنت مستأجر، ثم قلت: أريد إنساناً يكسره لي، قال: أنا أكسره لك، كم تدفع؟ فاتفقت معه على تكسيره بأجرة جديدة، ودفعت له الأجرة وكسر الحطب، الآن حصل مع شخص واحد، في سلعة واحدة، ثلاثة عقود: عقد على البيع والشراء، وعقد على حملانه، وعقد على تكسيره، هل في هذا شيء ممنوع أم كله سليم؟ كله سليم، لو قدر أنه قال لك: أنا أحمله لك، وحمله في السيارة، ثم جاء ليشغل السيارة فما اشتغلت! قال: والله أنا عجزت، هل يستحق عليك شيء؟ ستأتي بحامل آخر ويحمله، إذاً: الحمل عقد مستقل بذاته، وليس مربوطاً بالبيع والشراء.
حمله ووصّله، ثم قال: أنا أكسر لك الحطب، أعطني الفأس، ذهبت وأتيت بالفأس، قال: هذه لا تصلح للتكسير، هذه تتعب، وما فيها فائدة، وفسخ عقد الإجارة على التكسير، فلا يتعلق فسخ عقد التكسير بعقد الحمل، فالحمل انتهى في طريقه، والبيع انتهى في طريقه، وإنما ارتبط الفسخ بالتكسير فقط! إذاً: لو جئنا وقلنا: يا صاحب الحطب! حطبك هذا بكم، وبشرط: أن تنقله إلى بيتي، وأن تكسره هناك، كم الثمن؟ قال: مائة، وهذا العقد على الحطب بمائة دخل فيه مقابل الحمل والتكسير، وليس الحمل والتكسير من أجلك.
إذاً: الحطاب سيحسب قيمة الحطب مثلاً: واحداً وثمانين، وعشرة للحمل، وتسعة للتكسير، هذا بحسابه هو، لكن في العقد المائة مجملة، فحينما يتم حمل الحطب، ووصله، وكسره يستحق المائة، وانتهى الأمر، لكن الفقه يقدر لما لم يقع لو وقع ماذا يكون، فمثلاً: اتفقت معه على كوم من الحطب بمائة، لكن بشرطين: الحمل، والتكسير، جاء عند الحمل، قال: أنا ملزوم بالشرط، فتركه في السيارة، فشغل السيارة فما اشتغلت، قال: إنا لله، يا عم! لست قادراً على توصيله، فعجز عن تنفيذ الحمل، أو جئنا عند التكسير، قال: لا والله، الخشب هذا يابس، وناشف وكذا، أنا لا أقدر على تكسيره؛ فهنا يحصل اختلال في الشرط، فقلت له: يا عم! والله أنا اشترطت عليك النقل فالحطب مع نقله بمائة، وأنت الآن عجزت عن نقله، فستطالبه بقيمة الحمل المشروط عليه؟ ستطالب بكم؟! غير معلوم.
إذاً: المبيع فيه قيمة الحمل غير معلومة.
ولو قدر أن السلعة غير الحطب، كأن تكون مأكولاً أو مشروباً أو كذا، ونقله، فنظرت في المبيع، فإذا هو معيب، والعيب هذا ينقص القيمة، وأصبح لك الخيار في أن ترد البيع وتأخذ الثمن، أو أن تمضي البيع وتسترد قيمة العيب، طيب، أمضينا البيع، قلت له: هات حق النقص الذي حدث بسبب العيب الذي ظهر في المبيع، قال: قدروه، وانظروا كم يستحق؟ فقلت: تعالوا يا جماعة! قدروا، نظرنا السلعة -ونحن تشارطنا وتبايعنا على مائة قيمة السلعة، وحملها- قالوا: والله المبيع هذا معيب بعيب يقدر له (١٠%) ، هنا (١٠ %) ستقدر من قيمة المبيع مع عزل تقدير أجرة الحمل، فإذا قدرنا الحمل عشرة، (١٠%) ، فسيكون نقص العيب في التسعين أم في المائة؟! وهل سيتفق معك على أن قيمة الحمل عشرة أم تختلف معه؟! إذاً: دخل عنصر الجهالة في الصفقة، ويقابله عنصر الجهالة في الثمن، إذاً: سيقع نزاع أم لا؟ فإذا كان هذا في شرط واحد، فكيف إذا كان في شرطين؟! اشترطت: حمل الحطب، وتكسيره، أو كما يقولون: خياطة الثوب وتفصيله، قلت: يا عم! سأشتري منك ثوباً من هذه الطاقة، بشرط: أن تفصله، وتخيطه، وآخذه جاهزاً، قال: طيب، قلت: بكم؟ قال: بمائة، أتاك بالثوب مفصلاً، مخيطاً، مكوياً جاهزاً، ففتحت الثوب، فإذا في جانب من الثوب عيب: شط، تمزق.
إلخ، عيب يقتضي أرشاً أو رداً، ماذا ستفعل في اشتراط التفصيل والخياطة؟ تخصم مقابل العيب من مجموع المائة أم مما يخص القماش فقط ولا يدخل في ذلك أجرة التفصيل، وأجرة الخياطة؟! ومن الذي سيحدد، ويرضي الطرفين على قيمة الخياطة والتفصيل؟! إذاً: يوجد عنصر يؤدي إلى الخلاف والنزاع لجهالة ما يقدر به العيب في المبيع الأساسي، أو في الصنعة، مثلاً: إذا كان التفصيل غير مناسب، من تحت الإبط ضيق، والكم واسع أكثر من اللزوم، ومن أسفل من ناحية مرتفع، وناحية مرتخي، والخيط غير سليم، ففي هذه الحالة وجد عيب في التفصيل، فكيف نسترد قيمة العيب في أحد الشرطين؟ نحن لم نقدر لها شيئاً عند العقد الأول، وكانت مجملة، إذاً: وجد عنصر الجهالة، وهو موجب للنزاع؛ ولهذا نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط، أو بيع وشرطين.