[شرح حديث: (نهى رسول الله عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها)]
قال رحمه الله: [وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع) ، متفق عليه، وفي رواية: (وكان إذا سئل عن صلاحها قال: حتى تذهب عاهتها) .
وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهى، قيل: وما زهوها؟ قال: تحمار وتصفار) متفق عليه، واللفظ للبخاري] .
هذا نوع من أنواع البيوع الممنوعة احتياطاً من الربا؛ ومن أكل المال بالباطل.
الثمار: جمع ثمرة، ويدخل في ذلك الرطب، العنب، التفاح، الخوخ، الرمان.
كل ما يسمى ثمرة (حتى يبدو صلاحها) صلاحها في ماذا؟ في إمكانية أكلها عند متوسط الناس، لا عند الجائعين يأكلونها وهي خضراء، لكن متوسط الناس أصحاب الأذواق المعتدلة، فإذا بدا صلاح الثمرة جاز بيعها، وهل المراد بصلاح الثمرة كل حبة على حدة؟ قالوا: لا، بين صلى الله عليه وسلم ما هو صلاحها، قال: (أن تزهو) ، فما زهوها؟ قال: (تحمار أو تصفار) ما الفرق بين: تحمار وتحمر؟ تفعال: تدل على الشروع في الشيء، والمضي فيه إلى النهاية، فمعنى (تحمار) بدأت مخايل الحمرة وإن لم تكتمل حمرة الثمرة كلها، بمجرد ابتداء اللون، أو الصفرة تميزت ثمرة هذه النخلة بالاحمرار، وثمرة تلك النخلة بالاصفرار ولو لم يكتمل الاحمرار في هذه، ولا الاصفرار في تلك.
وجاء في بعض الروايات عن العنب: (حتى يتموه حلواً) ، يتموه موهاً من الماء، وأصل الماء: موهٌ، فإذا جرى الماء في العنب، بمعنى: العنب في أوله الحبة مثل قطعة لحم، فإذا بدأ في الصلاح بدأ الماء يجري داخل الحبة، ويتموه حلواً، وقد يتموه في بادئ أمره لكن على الحموضة، فحينئذ ما بدا صلاحها ولا تصلح للأكل، لكن إذا تموه وجرى فيه الماء، وكان الماء طعمه حلواً فيها فقد بدا صلاحها.
والعلة في هذا كله: ما جاء في الرواية: (حتى تؤمن العاهة) ، أي: الآفة، وفي بعض الروايات: (حتى يطلع النجم) ، أي: نجم الثريا، {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم:١] ، ذكر منكراً، ويفسره الجميع بأنه الثريا، أمنت العاهة على الثمار، وهذا من قدرة الله سبحانه وتعالى، وليس للثريا تأثير في الثمار، ولكن توقيت للفصول في السنة واختلاف الأجواء بما يناسب الزروع، وكل زرع له فصل معين يجود إن صادفه ويفشل إن لم يصادفه، قد يهيج ويخضر ولكن لا يثمر، وسمعت من الشيخ ابن صالح رحمة الله تعالى علينا وعليه يحكي عن شخص فلاح كبير السن، مر على جماعة يزرعون الدبا الحمراء -التي يقولون عنها: الشرقية- في الضحى، فقال: يا أولادي! لو صبرتم حتى تزول الشمس.
قالوا: وما الفرق بين الآن وزوال الشمس إلا ساعة أو ساعتين.
قال: لا، الشمس تنزل في برج كذا بعد زوال الشمس من هذا اليوم، وهو أول أوان زرع هذا النوع، فكأنهم شباب استخفوا بشيبته، قال: علموا ما زرعتموه قبل الزوال، وما زرعتموه بعد الزوال، فكانت النتيجة فارقاً بعيداً، فما زرعوه قبل الزوال ورقه كبير، وأخضر طويل، وثمرته قليلة، وما كان بعد الزوال الثمرة أكثر من الورق.
إذاً: هناك مواسم زراعية تتناسب مع الجو والهواء والحرارة والبرودة، وكلنا يعلم، والفلاح أعرف بهذا، هناك مزروعات صيفية ومزروعات شتوية، والآن جاءوا بالبيوت المحمية لإيجاد جو يتناسب طيلة السنة مع المزروعات، وأصبحت ترى مزروعات الصيف شتاءً، ومزروعات الشتاء صيفاً؛ لأن البيوت المحمية لا فرق فيها بين صيف وشتاء.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (حتى يطلع النجم) ، (حتى تؤمن العاهة) ، (حتى يحمار أو يصفار) ، (حتى يزهو) ، كل تلك أوصاف في الثمرة تدل على أنها تجاوزت مرحلة الإتلاف والآفة.
جاء في وضع الجوائح: بأنه إذا اشتراها بعد أن بدا صلاحها، ثم جاءت جائحة سماوية كبرد أسقط الثمرة -كما هو معروف عند أهل الزراعة آفة- وأتلفت الثمرة، ما حكم المشتري مع البائع؟ يرد الثمن، (علام يأكل أحدكم مال أخيه بغير حق) لأن الثمرة لا زالت في بستانك، فهي على حسابك.
يهمنا هنا: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة لتكون ثمرة.
أما إذا بيعت لتكون علفاً أو غرضاً آخر، جاء إلى النخيل، والنخيل فيه أقنية بكثرة، فالبعض منها يزال تخفيفاً على النخل لتكون علفاً للدواب، فهل باعها على أن تكون ثمرة يبدو صلاحها؟ لا، ولا ينتظر بدو صلاحها، فهكذا إذا بيعت الثمرة لا لكونها ثمرة بل لغرض آخر فإن ذلك ليس فيه نهي، النهي عن بيع الثمرة لتبقى في مكانها في أصولها ثمرة يتم نضجها ويستوفيها المشتري، عندها لا يجوز عقد البيع حتى يبدو الصلاح.