وهنا يأتي بحث فقهي: الرسول صلى الله عليه وسلم حلق شعره كله، وبدأ بالشق الأيمن ثم الشق الأيسر، وبإجماع المسلمين أن هذه الصفة هي أكمل الصفات، لكن لو أن إنساناً لم يحلق شعره كله، وأراد أن يقصر فكم يحلق من حجم رأسه، وكم يقصر من طول شعره؟ الجواب: أحمد ومالك يقولان: الواجب تقصير كامل الشعر، فإن حلق فليحلق الجميع، وإن قصر فليقصر الجميع، وأما أبو حنيفة رحمه الله فيقول: يجزئ ربع الرأس حلقاً أو تقصيراً، وهذه المسألة هي مثل المسألة التي تبحث في مسح الرأس عند قوله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}[المائدة:٦] فكم يمسح من الرأس في الوضوء؟ فيها خلاف، وهذه المسألة مثلها، والشافعية يقولون: كل ما صدق عليه حلق أو تقصير ولو ثلاث شعرات فإنه يجزئ، والنووي رحمه الله يقول: وقد أفرط بعض منا -أي: من الشافعية- فقال: ولو قصر بعض شعرة لأجزأه، ثم قال: وكيف يأخذ بعض الشعرة، فإنه إذا أخذ من شعره بالمقص فسيأخذ كثيراً، فكيف يتمكن من قص شعرة دون غيرها؟ قالوا: إذا غطى الإنسان رأسه بالحناء، فطلعت شعرة من تحت الحناء وبرزت من فوق فجاء بالمقص وأخذ هذا الجزء البارز من الشعرة من فوق الحناء، فإنه يكون قد أخذ بعضها، قال: وهذا إفراط، أي: أنه لا ينبغي مثل هذا في النسك.
وعلى هذا نجد في المسألة عدة أقوال: فمنهم من قال: يحلق أو يقصر كل الرأس، ومنهم من قال: ربع الرأس، ومنهم من قال: ولو ثلاث شعرات، هذه أقوال الأئمة رحمهم الله، ولا نملك أن نقول شيئاً في ذلك إلا أن السنة هي حلق أو تقصير جميع الرأس.
ثم إذا جئنا إلى حديث بيان فضل الحج:(جئنا نسألك، قال: إن شئتما أخبرتكما.
إلخ، وعن حلقك شعر رأسك فلك بكل شعرة حسنة ووضع سيئة ورفع درجة) إذاً: كتابة حسنة وإسقاط سيئة ورفع درجة كل هذا بشعرة واحدة، ثم بعد هذا نذهب ونأخذ شعرة، أو نأخذ ثلاث شعرات، أو نأخذ ربع الرأس! هذا فيه تفريط، بل لو استطعنا أن نأتي برأس آخر جنب الرأس الأصلي حتى نحلق شعراً أكثر لفعلنا، حتى يزداد الأجر.