[من أحكام الحديث]
استدل أبو هريرة رضي الله تعالى عنه بهذا الحديث أنه يلزم الجار الأسبق إذا أراد جاره الجديد أن يسقف ما هو بجواره معتمداً على جداره؛ ألا يمنعه.
حتى يقول الحنابلة: ولو كان الجار مسجداً، فلو بنيتَ بيتك بجوار المسجد، وأردت أن تسقف على أحد جدرانك وجدار المسجد، فإمام المسجد لا يمنعك، أو المسئول عن المساجد لا يمنعك؛ لأنه جوار.
واختلف الفقهاء رحمهم الله في هذه القضية: هل هذا على سبيل الوجوب والإلزام جبراً؟ فـ أبو هريرة يقول: (ما لي أراكم عنها معرضين؟!) يعني: لم تعجبهم هذه المسألة: (لا يمنع جارٌ جارَه أن يغرز خشبةً ... ) ، فقد يقول الجار: والله هذا اعتداء، يريد أن يستولي على جداري، ويتحكم في مالي! فقال: (ما لي أراكم عنها معرضين؟!) لا يعني هذا: أنهم ليسوا مستبشرين أو ليسوا فرحين! لا.
بل القضية ثقيلة عليهم، فقال: (والله لأرمينَّ بها ... ) ما المراد بقوله (بها) ؟ هل هذه القضية أم الخشب؟ القضية، وبعض العلماء يقولون: الخشب، يعني أنه قال: إذا ما قبلتَها على جدارك فسأرميها على كتفَيك.
ولكن أين هي الخشبة حتى يرميها بين كتفَيه؟! إذاً: معنى: (لأرمينَّ بها) أي: بهذه القضية، (بين أكتافكم!) أي: ألزمكم بها، وما دام أميراً فهو يملك الإلزام.
وهنا مباحث للفقهاء كثيرة، منها: هل هذا على الإلزام أو يملك الجار أن يمنع؟ وإذا سمح له ووَضَع الخشب أو رغماً عنه وُضِع الخشب، فتلف الجدار وسقط، فما الحكم؟ ومتى يجوز أن يضع الخشب؟ وإذا سقط الجدار هل لصاحب الخشب أن يشارك في بناء الجدار؟ وإذا أقام صاحبُ الجدار الجدار فهل يعيد خشبَه مرة أخرى أو لا يعيدها؟ هذه كلها مباحث فقهية في هذه المسألة.
نأتي أولاً إلى ما يقوله الفقهاء: يُنظر! هل جدار الجار فيه قوة التحمُّل؟! فلابد أن يُسأل المهندس، فقد يكون بناه على أنه لا يسقِّف على هذا الجدار، وأن الجدار مجرد ساتر، فكيف تأتي أنت وتضع خشبك؟! أنا لم أضع خشبي! وأنا لم أبنِه على هذا الأساس! فتأتي لتضع خشبك أنت على جداري وتهدمه؟! لذا قال الفقهاء: يتحقق هذا الحديث، ويلزم بالوضع إذا كان الجدار يتحمَّل خشب الجار.
وإذا لم يكن للجار الأول خشب عليه، فهل يتحمل خشب الجار الجديد أم لا؟ فإذا كان لا يتحمله فليس بواجب؛ لأن فيه مضرة، والمسألة مسألة إرفاق وتعاون بين الجيران.
إذاً: (لا يمنع جارٌ جارَه ... ) حينما يكون جدار الجار صالحاً لوضع خشب الجار عليه.
ولو وَضَع الخشب، وبنى الدور الثاني، فهل يكتفي بالخشب فقط في الدور الأول؟ قالوا: إذا كان له حق أن يضع خشبه فليبني، وإذا جاء الجار الأول ويريد أن يبني الدور الثاني فيكتفي بجدار الجار هذا، بشرط أن يكون الجدار قابلاً لأن يحمل جداراً آخر.