[استحباب البداية في غسل الميت بالميامن ومواضع الوضوء]
وقال في الحديث (ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها) التيامن مطلوب في كل شيء، كما في حديث أم المؤمنين عائشة رضي تعالى عنها (أنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيامن في كل شيء) فكان يتيامن في لبس النعلين، ويتيامن في لبس القميص فيدخل يده اليمنى، ويتيامن في أول نومه فينام على شقه الأيمن، ويتيامن في أكله الطعام وتناول الشراب بيده اليمنى، ثم قالت (وفي شأنه كله) وهنا قال صلى الله عليه وسلم (ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها) وهذه سنة -أيضاً- في غسل الجنابة والحيض، فقد تقدم معنا في باب الغسل أن الإنسان لا يفيض الماء على جسمه مرة واحدة، ولكن يبدأ -كما في غسل الجنابة- بغسل فرجه، ثم يضرب يده بالتراب في الأرض، ثم يتوضأ، وجاء في بعض الروايات (وضوءه للصلاة) وجاء في بعض الروايات: ويؤخر غسل قدميه حتى ينتهي من إفاضة الماء، ثم يتحول من مكانه الذي هو فيه إلى مكان آخر؛ فيغسل قدميه.
إذاً: الوضوء مقدمةٌ للغسل، فهنا أمرهن أن يوضئنها، أي: يبدأن في تغسيلها بالوضوء، وعند الغسل يبدأن بالميامن، ثم يكملن الغسل على ما بين لهن، ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر، قال:(إن رأيتن ذلك) .
ثم قال (فإذا فرغتن فآذنني) من آذن يؤذن، والإذن كله راجع في اللغة إلى مادة الأذن؛ لأن اللغة أول ما توضع توضع للمحسوسات المادية، ثم تنقل إلى المعنويات.
قالت (فلما فرغنا آذناه، حقوه) أي: الإزار الذي على الحقو، والحقو هكذا، محل عقد الإزار، ثم قال (أشعرنها به) وهذا منه صلى الله عليه وسلم عطفاً عليها، وشفقة بها، والتماساً لبركته معها؛ لأن هذا الحقو قد خالطه، وقد يكون مس من عرقه أو غير ذلك.
إلخ، على ما سيأتي في أمر بن أبي، وهذه ابنته رضي الله تعالى عنها زينب، وعطفه على ابنته لا شك فيه، ففعلن وأشعرنها، أي: اللباس يكون قسمين: شعارٌ ودثار، كما جاء في حديث الأنصار لما رجعوا من فتح مكة، وقسم النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم، وأعطى المؤلفة قلوبهم، ولم يعط الأنصار شيئاً، فبلغته مقالة؛ فجمعهم، ثم قال (ما مقالة بلغتني عنكم يا معشر الأنصار؟! أتأخذون عليَّ في لعاعة من الدنيا أتألف بها قلوب أقوامٍ، إني لأعطي أقواماً أتألفهم على الإسلام، وأترك أقواماً لما وقر في قلوبهم من الإيمان، والله يا معشر الأنصار! لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، الأنصار شعار، والناس دثار، لو سلك الناس وادياً وطريقاً، وسلك الأنصار وادياً وطريقاً، لسلكت وادي الأنصار وطريقها) فقوله صلى الله عليه وسلم: (الأنصار شعار) .
الشعار: هو الثوب الذي يلاصق شعر الجلد على الإنسان، والدثار هو ما يتدثر به فوق الثياب، كالمشلح، أو العباية، أو البالطوا، أو أي شيء آخر، هذا دثار يتدثر به، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر:١] أي: المتغطي، والدثار هو الغطاء فوق اللباس.
فأشعرنها إياه، وكما أشرنا أن هذا من رحمته صلى الله عليه وسلم وشفقته ورغبته في إنالة ابنته البركة.