[صحة صلاة المسلم في الكنيسة والبيعة دون بيت النار]
وهناك مسألة في المقابل تهمنا في الفقه، وهي أنه إذا كان غير المسلم لا يدخل المسجد إلا لحاجة، فهل يدخل المسلم الكنيسة ويصلي فيها أم لا؟ يتفق العلماء على أن المسلم إذا دخل كنيسة أو بيعة -بخلاف بيت النار؛ لأن بيت النار يعبدون النار فيه- وحانت الصلاة، وأراد أن يصلي فله أن يصلي في تلك الكنيسة ما لم ير نجاسة؛ لأن الأصل في الأشياء الطهارة ما لم تتحقق النجاسة، وهذه قاعدة إسلامية، وعند أهل الكتاب الأصل النجاسة ما لم تتحقق الطهارة.
ولكن إذا كان في الكنيسة تماثيل وصور، كالتي ذكرتها أم سلمة رضي الله تعالى عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تصح الصلاة هناك، لا لكونها كنيسة، ولكن لكونها فيها التماثيل والصور.
ويذكر البخاري رحمه الله في قصة عمر لما ذهب إلى الشام أنه حينما حوصر أهل الشام واشتد الحصار عليهم أرادوا أن ينزلوا على الصلح -وقيل: كان نصفها صلحاً، ونصفها عنوة.
وقيل: كلها عنوة.
وقيل: كلها صلح- فكتبوا إلى أمير المؤمنين عمر إنا نريد أن ننزل على الصلح، ولكن تكون أنت طرفاً فيه.
فخرج عمر رضي الله تعالى عنه، هو وغلام معه فقط، وكان يتعاقب الركوب مع الغلام، فمرحلة يركب هو ويمشي الغلام، ومرحلة يمشي هو ويركب الغلام، إلى أن اقتربا من دمشق، وكان قميصه مرقعاً، فقالوا: لا يليق بك أن تدخل على الروم بهذا القميص فيقولون: هذا أميركم بهذه الثياب! وهذا قميص تلبسه.
فنظر فيه فلم يقبله، وقال: ردوا علي فميصي، قالوا له: تمهل.
دعنا نغسله.
فغسلوه وردوه عليه، ولما جاء ودخل على الروم عرفوه بشكله وبوضعه فقالوا: والله هو هذا الذي نجده في كتبنا.
وتمت المفاوضة على الصلح، فجاء رجل من ذوي القسطنطين، وقال لـ عمر رضي الله تعالى عنه: صنعت لك طعاماً وأريد أن تحضره فحضر، ثم دخل الكنيسة، ثم قال: أريد أن أصلي.
فقال: صل مكانك.
قال: لو صليت في الكنيسة لانتزعها منكم المسلمون وكان في عهد الصلح ألا تنقض لهم كنيسة، ولا تؤخذ أموالها، ولا يتعرض لصلبانهم، وأحوالهم تبقى على ما هي عليه، واشترط عليهم شروطاً وحقوقاً للمسلمين.
فقال: لو صليت هنا لجاء المسلمون من بعدي وقالوا: هذا مصلى عمر فينتزعونه منكم، فينقضون الصلح، وجاء عند العتبة وصلى.
ثم جاء ابن عمر، وجاء عمر بن عبد العزيز وغيرهما وقالوا: إذا كان فيها التماثيل أو الصور فلا تجوز الصلاة فيها، وإذا كانت خالية من تلك الموانع فلا مانع ما لم توجد فيها نجاسة أو موانع وعوارض أخرى.
وكما ربط ثمامة وهو مشرك ربط أبو لبابة نفسه وهو مسلم، فحين ذهب إلى بني قريظة سألوه عما سيفعل بهم، فأشار بيده إلى حلقه، أي: الذبح، ثم قال لنفسه: والله لقد علمت أني خنت الله ورسوله، فرجع وربط نفسه في سارية المسجد.
فالمسجد: معتقل للأسارى وسجن للمخطئين، فأدى رسالة بجانب المعبد، وبجانب المعهد؛ لأنه على رءوس الأشهاد وتحت أنظارهم، فاتسع نطاق رسالة المسجد إلى خطوة أخرى.