وللعلماء في هذا مباحث، فحينما أعطي الدينار ليشتري الشاة، فهل أعطيه وكالة أو أمانة؟ إن قلنا: وكالة، فقد ذهب الوكيل وتصرف، فاشترى شاتين بدلاً من شاة، وهل للوكيل أن يتصرف في غير ما وكل فيه؟ هو وكل في شراء شاة، لكنه اشترى شاتين، فهل شراؤه الشاتين داخل ضمن الوكالة في شراء الشاة، أو أن الوكالة كانت عامة؟ الوكالة العامة كأنه يقول له: اشتر لنا ما في نظرك من شاة أو نحوها، فبالوكالة العامة يكون له الحق أن ينظر أي الشياه أصلح، ولو وجد شاة كبيرة بدينار، ووجد شاتين متوسطتين بالدينار، فاشترى إحدى الصفقتين، كان ذلك بمقتضى الوكالة صحيحاً، ونحن الآن إذا أتينا إلى سوق الأغنام ربما وجدنا خروفاً بألف ريال، بينما بجواره الخرفان الأخرى من أربعمائة إلى ستمائة، فثمن الخروف الأول ألف ريال، فلو أضفت إليه مائتين فستشتري ثلاثة، إذاً: الأسعار تختلف، والسلع تتفاوت فيها القيمة، هذا في الصورة الأولى، ولنقل: إنه وجد شاة بدينار، ووجد شاتين بدينار، فاستحب أن يأخذ الشاتين بدلاً من الشاة، وهذا التصرف من الوكيل لمصلحة موكله.
مضى العقد الأول، ومضى بالشاتين، وفي الطريق يأتي إنسان يساومه، فباعه إحدى الشاتين، فهل له الحق في بيع ملك موكله الذي وكله في شراء شاة فتجاوز، أو تخير، أو عمل المصلحة فاشترى شاتين بدلاً من شاة؟ وهنا بعد أن اشترى ودخل المبيع في ملك موكله، فهل يملك أن يخرجه من ملك موكله بالبيع دون أن يوكله الموكل في البيع؟ فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يوكله في بيع، وإنما وكله في الشراء فقط، فبأي صفة يبيع ما اشتراه لموكله؟ قالوا: إن السبب في شرائه الشاتين هو مراعاة مصلحة موكله، فوجد أن من مصلحة موكله الاجتزاء بشاة، والشاة الأخرى زائدة، ومن مصلحة موكله أن يغنمه قيمة الزائدة، فباعها باسم موكله.
وهنا يقول الفقهاء: إذا تصرف الوكيل بما يظنه مصلحة لموكله دون أن يأذن له فيه، فإن هذا العقد يسمى: العقد المعلق، فهو معلق على إقرار الموكل، فإن رضي وأقر فلا مانع، وإن رفض فالبيع مرفوض ومردود، فهو باع الشاة تفويضاً من نفسه، طلباً لمصلحة موكله، وبثمن ليس فيه نقص، بل فيه ربح مائة بالمائة، فباع الشاة على هذا الاعتبار، ولما جاء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم -باعتباره في نظام العقود موكلاً له- سأله: ماذا فعلت؟ فأخبره بما فعل في الشراء وفي البيع؛ فاستحسن ذلك، وأجاز تصرف الوكيل في هذا البيع، ولو لم يكن مأذوناً له مشافهة فهو مأذون له اعتباراً، ولو لم يكن مأذوناً له اعتباراً فقد أقر العقد، ويقول الفقهاء: إن اعتبار العقد المعلق ابتداء من إجازة الموكل لا من وقوع العقد.