والرعب: هو الخوف، والمسيرة نسبة إلى موضع السير، والمعنى: مسافة ما يسير الإنسان شهراً بالسير العادي على الأقدام أو على الإبل، قالوا: مسيرة شهر أمامه، ومسيرة شهرٍ وراءه، ومسيرة شهر عن يمينه، ومسيرة شهر عن يساره، فكل من سمع به على بعد شهر فإنه يخاف منه، وجاء في بعض الروايات:(نصرت بسيفي) أي: بالسمعة، ومن المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم رءوف رحيم، والرءوف الرحيم لا يخاف الناس منه، إنما يخافون الناس من البطاش والجبار والظالم، ولكنه رءوف رحيم ومع ذلك يخافون منه! وقوله:(نصرت) ، هذه النصرة كما يقولون: لو كان وحده وليس معه من الجيش أحد فإنه بمجرد وجوده في مكان ويسمع به أي إنسان ولو على بعد مسيرة الشهر فلابد أن يرتجف قلبه خوفاً من رسول الله؛ لما أعطاه الله من النصر على أعدائه.
وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات كما يقول الراوي: نزلنا منزلاً وكان الظل شحيحاً، فكنا نترك الشجرة المظلة لرسول الله ونتجنب عنه -أي: ليقيل وينام- فجاء إلى ظل شجرة وعلق سيفه بغصنها ونام، فجاء أعرابي وأخذ السيف واستله من جرابه، وأيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد! من يعصمك مني؟ -السيف في يده، وهذا أعزل وجالس في الأرض وهو متمكن بقيامه- قال: الله، فسقط السيف من يد الأعرابي فتناوله صلى الله عليه وسلم وقال: يا أعرابي! من يعصمك مني؟ فقال: العفو يا محمد.
فهذا من نصرة الله، فإنه لم يأتِ أصحابه حوله، ولم يستصرخ أحداً، ولا استنجد بأحد، ولا نادى أحداً، ولكنه استعان بالله.
ومن المعلوم أن نصرة الأنبياء في مثل تلك الوقائع ليست بدعاً من الأمر، فالقرآن الكريم قد ذكر عدة وقائع، فهذا الخليل عليه السلام عندما وضعوه في المنجنيق وأرادوا إلقاءه في النار وهي ملتهبة مستعرة، ويأتي جبريل ويقول: ألك حاجة؟ فيقول له: أما منك فلا، وأما من الله فنعم، قال: أفلا تدعوه؟ قال: علمه بحالي يغني عن سؤاله، فكانت نصرة الله له أقرب من كل شيء، وقد جاء في الحديث:(ضجت الملائكة لما رأته في المنجنيق وقالوا: إن سألكم عوناً فأعينوه إن استطعتم) ، ولم يسأل أحداً شيئاً، وكانت نصرة الله له بقوله:{يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا}[الأنبياء:٦٩] .
وموسى عليه السلام لما وقف على حافة البحر، ونظر من معه فإذا فرعون وجنوده وراءهم، فقالوا:{إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}[الشعراء:٦١] البحر أمامنا، والعدو وراءنا، فقال موسى:{كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء:٦٢] ، وكلمة (معي) نجدها في الغار عندما وصل الطلب من قريش لرسول الله إلى فم الغار وقال الصديق: (يا رسول الله! والله لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا، فقال: ما بالك باثنين الله ثالثهما) ، قال تعالى:{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة:٤٠] .
وهكذا نجد نصرة الله للرسل عامة، ولكن أن يكون النصر على مسيرة شهر، فهذا مما اختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدق الله:{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا}[غافر:٥١] .