[صفة صلاة الكسوف]
قال المؤلف رحمه الله: [وعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الكسوف بقراءته، وصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات) متفق عليه، وهذا لفظ مسلم] .
هنا المؤلف رحمه الله بعد أن جاء بحديث: (ادعوا وصلوا) جاء بحديث عائشة لتشرح لنا فيه كيفية هذه الصلاة المطلوبة.
فذكرت رضي الله تعالى عنها أن الصلاة في الكسوف تكون على الصفة الآتية: أولاً: الجهر بالقراءة، والجهر بالقراءة مبحث فقهي طويل، فهل قولها: (جهر بالقراءة) في خصوص الشمس أو في خصوص القمر؟ لأن الشمس نهارية والصلاة في النهار سرية، والقمر ليلي والصلاة في الليل جهرية، فهل نجهر في كلتا الحالتين أو نجهر فيما يجهر فيه فقط؟ المسألة فيها خلاف، فبعض العلماء يقول: نجهر في الحالتين؛ لأن أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (جهر) ، والبعض يقول: يكون الجهر في الذي محله الجهر، ويكون الإسرار في الذي محله الإسرار، ومن العلماء من يقول: يسر في كلتا الحالتين.
ثم قالت: (يصلي أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات) .
في قولها: (أربع ركعات في ركعتين) -كما يقولون- المشترك اللفظي؛ لأن المراد بالركعة هنا: الركوع، لأنها قالت: (في ركعتين) وقالت: (أربع سجدات) ، والأربع السجدات لا تكون إلا لركعتين لكل ركعة سجدتان، فقولها: (أربع ركعات) هذه الركعات أين تكون؟ وكم عددها؟ قالوا: في الركعة الأولى يركع ثم يرفع، ثم يركع مرة ثانية ثم يرفع، ثم يسجد، وفي الركعة الثانية كذلك، وأما عدد الركعات في الركعة الواحدة فسيأتي الخلاف في ذلك.
فالإجماع على أن صلاة الكسوف ركعتان، وإنما الخلاف في عدد ركعات كل ركعة، فهنا في الحديث ركوعان، وجاءت روايات بثلاثة ركوعات، وستة ركوعات، وثمانية ركوعات.
والذي عليه الجمهور هوما جاء في حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بصلاة الكسوف، وأنه صلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات، بمعنى: أربعة ركوعات في الركعتين.
وسيأتي التفصيل بأنه صلى الله عليه وسلم قرأ الفاتحة، ثم قرأ طويلاً نحواً من سورة البقرة، ثم ركع نحواً من ذلك، ثم رفع وقرأ نحواً من ذلك، ثم ركع نحواً من ذلك، وهكذا حتى أتم الركعتين.
وبعض العلماء يأخذها بالتفصيل الهندسي ويقول: يقرأ في الركوع الأول سورة البقرة، وفي الركوع الثاني مقدار سبعين في المائة منها، وفي الذي بعده مقدار خمسين في المائة، وهكذا يتدرج وينزل، وليس بلازم أن تكون سورة البقرة بعينها، بل مقدارها؛ لأن الموقف موقف شديد وعصيب ومخيف، مما يقتضي أن يكون العبد في تلك الحالة بين يدي الله سبحانه وتعالى.
قوله: [وفي رواية له: (فبعث منادياً ينادي: الصلاة جامعة) ] .
هنا الزائد في هذه الصلاة عن صلاة العيد: (فبعث منادياً ينادي: الصلاة جامعة) الصلاةَ بالنصب، منصوبة على الإغراء والتحريض، وأما بالضم فلا أعرف له وجهاً، وهذا من أجل أن يحثهم ويحرضهم على الحضور إليها.
وقد تقدم أن العيد لا يحتاج إلى نداء؛ لأن الناس يذهبون بأنفسهم إلى المصلى، فقد انتظروه من قبل يوم أو يومين، ولكن الكسوف أمر طارئ طرأ والناس في بيوتهم وأعمالهم، فينبههم، ولا ينبههم بالآذان؛ لأنه خاص بالصلوات الخمس.
فمن المصلحة أن يرسل في الطرقات وعلى المياه وفي مجامع الناس، وفي الأسواق من ينادي: الصلاة جامعة، وهذا هو المعمول به الآن في المدينة النبوية، وفي كثير من البلدان، والله تعالى أعلم.