وشهود الجنائز في السابق كان له وضع آخر، يقول أبو سعيد الخدري: لما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة وكان المهاجرون محصورين فكان الرجل إذا مرض في المدينة وهو من المهاجرين أو من الأنصار فإذا كان في حالة النزع، آذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم به، فيذهب معهم إلى بيته ليحضره، فإذا مات جهزوه وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وشيعوه، فلما كثر الحال كذلك والشخص قد يحتضر في الليل، في أوله أو في آخره، فاجتمعوا وقالوا: لقد أشفقنا على رسول الله في أن نؤاذنه في كل موتانا، فالأولى أننا ننتظر المريض حتى يموت فنجهزه ونحمله إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي عليه، واتفقوا على ذلك وأعدوا المكان لذلك وهو الموجود الآن ما بين باب جبريل وباب البقيع، هذا السور الصغير ويسمى مصلى الجنائز، والشارع الذي كان في قبلي المسجد يسمى درب الجنائز، فكانوا يأتون بالجنازة ويضعونها في هذا المكان المستطيل، ويؤذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم به فيخرج فيصلي عليه، وربما صلى عليه أحياناً في المسجد.
فكان المعتكف لا يشهد جنازة؛ لأنه كان يصلى عليها خارج المسجد بجواره، والمعتكف معتكف في المسجد فكان لا يشهدها بمعنى: لا يحضرها ولا يشيعها ولا يصلي عليها؛ لأنه مشغول في معتكفه.