قال المؤلف رحمه الله: [عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت.
قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم) أخرجه مسلم] .
في نهاية باب نواقض الوضوء، وقبل أن يتكلم المؤلف على أحكام أخرى غير أحكام الوضوء جاء بهذه المسألة، وهي من أشد المسائل خلافاً في نواقض الوضوء، وللناس فيها آراء متعددة، ألا وهي: الوضوء من لحوم الإبل.
قوله: عن جابر رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم) .
قوله:(رجلاً) نكرة، غير مسمى، وهذا لا يضر في الإسناد؛ لأن هذا النكرة سأل رسول الله، يعني: أنه مسلم رأى رسول الله، فهو صحابي، والصحابي لا يفتش عنه؛ لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كلهم عدول؛ ولذا فإن المرسل إذا كان الذي لم يُسم فيه صحابياً فقط فإنه صحيح ويعمل به.
قوله:(أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم) ومقتضى هذا السؤال ما حاك عنده: هل هناك فارق بين لحم الإبل ولحم الغنم أو لا؟ أأتوضأ من لحوم الإبل؟ أأتوضأ من لحوم الغنم؟ فلما سأل عن لحوم الغنم قال له صلى الله عليه وسلم:(إن شئت) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن شئت) بدل (نعم) أو (لا) أخذ منه العلماء جواز الوضوء للمتوضئ؛ لأنه إذا لم يكن متوضئاً فليس أمر الوضوء متروكاً إلى مشيئته، بل يتعين عليه أن يتوضأ؛ لأنه غير متوضئ، ولكن معنى السؤال: المتوضئ الذي يأكل لحم الغنم هل يتوضأ بسبب ذلك أو لا؟ فكان الجواب في حق لحوم الغنم:(إن شئت) يعني: إن شئت توضأت، وإن شئت اكتفيت بالوضوء الذي كان قبل أكلك لحم الغنم، وبالتالي يكون أكل لحم الغنم ليس ناقضاً للوضوء.
قوله:(أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم) هناك فرقٌ بين (نعم) وبين الجواب الذي يتضمن صيغة السؤال، وقوله (نعم) أي: توضأ من أكل لحوم الإبل.
وهنا وجدنا فرقاً بين لحوم الغنم ولحوم الإبل في أن الأولى لا توجب الوضوء، والثانية توجب الوضوء، وجاء حديث آخر عام بلفظ:(توضئوا -بصيغة الأمر- من لحوم الإبل) وجاء أيضاً: (صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في معاطن الإبل) في هذا الحديث وذاك أمر منه صلى الله عليه وسلم بعدم المقارنة، فهذه بهيمة أنعام وتلك بهيمة أنعام، وكلاهما حلال الأكل، فيأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء من لحوم الإبل، ويخير الإنسان في الوضوء من لحوم الغنم، والنتيجة: أن لحوم الغنم ليست ناقضة، ولحوم الإبل ناقضة.