[النهي عن الإجارة على شيء من الزرع في أماكن معينة]
[سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والفضة، فقال: لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماذيانات، وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع] .
رافع يقول: لا بأس بالذهب والفضة؛ لأنه شيء معلوم، وكلا الطرفين يمكنه أن يرجع إليه، وإنما كانت الإجارة أو المؤاجرة المنهي عنها على عهد رسول الله على ما ينبت على الماذيانات وأقبال الجداول، وهي الحياض وما يليها من الزرع الذي يكون على طرف الحوض بجوار الحد الترابي، هذا متوافرة فيه كمية الغذاء والسماد للنبات، فإذا وجد كفايته من الماء يكون الزرع في تلك الجوانب والأطراف أقوى وأكثر ثمرة مما هو في داخل الأحواض؛ لأن الذي في داخل الأحواض يتزاحم بعضه مع بعض، والذي على أطراف الجداول يمر عليه الماء مدة أطول مما هو في آخر الحوض، وأقبال الجداول أيضاً ما كان مما يلي الربيع -على ما سيأتي- يأخذ من الماء أكثر مما هو في آخر الحوض.
فكانوا يكرون الأرض على شيء من الزرع في أماكن معينة، وبقية الأحواض تكون للعامل، المستأجر يأخذ الأرض وأجرتها، ما سيحصله من داخل الحوض أو مما سيحدده له المؤجر، فإذا كان الأمر كذلك يقول رافع: ربما صح هذا وهلك ذاك، وربما هلك هذا وصح ذاك، فبعض النباتات لا تحتاج إلى كثرة في الماء، وكثرة الماء قد تفسدها، ويكون داخل الحوض أحسن من خارجه أو طرفه، المهم قد يصيب الزرع بعض الآفات.
فعقد الإجارة من أوسع أبواب الفقه، من حيث كيفية المؤاجرة، والعاقدان: المؤجر والمستأجر، والعين المعقود عليها، والإجارة في الفقه: عقد على منفعة العين، أو يقولون: بيع المنفعة أو منفعة الرقبة، فبيع المنفعة لا يتناول الأصل أو العين، وتقدم بيان ذلك: بأن يوجد من يشتري الدار، وآخر يستأجرها، فالذي اشتراها اشترى عينها: بناءها وأرضها وتخومها وهواءها، يتصرف فيها تصرف الملاك، والذي استأجر المنفعة ليس له في عين البناء ولا لبنة، وليس له في العين المؤجرة شيء قط، إنما يستوفي منفعته في الغرض الذي استأجر من أجله.
استأجر سيارة للحمل والنقل، وبحسب أيضاً موضوعيتها، هناك سيارة لحمل الثقيل، وسيارة لحمل الآدمي؛ فكل يستعمل أو يستوفى في منفعته التي جعل لها.