حلوان: على وزن فعلان، من الحلاوة، وهو الأجر الذي يأخذه الكاهن على كهانته، والكاهن -كما يقولون- هو: كل من ادعى علم غيب ماض أو حاضر أو مستقبل، وقيل: العراف: هو الذي يدعي معرفة الغيب المستقبل، والكاهن: هو الذي يدعي علم الغيب الماضي، فإذا خفي على الناس شيء مسروق، يأتي الكاهن ويقول: سرقه فلان، وهو مدفون في المكان الفلاني.
ينبئ عنه وقد وقع فيما مضى، أما العراف: فإنما يقول: سيأتي كذا، سيحدث كذا، ويخبر بما يمكن أن يكون في المستقبل، وكلهم سواء، وأجرتهم حرام.
والصديق رضي الله تعالى عنه أرسل خادماً له يأتي بطعام، فجاء فقدمه لـ أبي بكر، فلما طعمه سأله: من أين هذا؟ قال: كنت تكهنت لرجل في الجاهلية، فلقيني فأعطاني حلواني، فهذا هو.
فوضع الصديق إصبعه في حلقه واستقاء ما أكل من حلوان الكاهن.
والذي يهمنا هنا تحريم دفع الأجرة لهؤلاء؛ لأن فعلهم باطل، ومحادة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}[النمل:٦٥] ، وإن صادف أن واحداً من هؤلاء صدق فيما أخبر، فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب ذلك: وهو أن الشياطين يسترقون السمع، حتى إذا دنوا من السماء، سمعوا صريف الأقلام، ولربما سمع الأخير منهم -قبل أن يأتيهم الشهاب- كلمة من الملائكة في القضاء والقدر، فينزل بها أو يلقيها إلى من تحته، قبل أن يدركه الشهاب، ومن تحته يلقيها إلى من تحته حتى تصل إلى الأخير، فيذهب بها إلى صاحبه، ويخبره: سيقع كذا وكذا.
وهو صحيح، فيتكلم الكاهن بذلك، فيقع ما يقول، ويزيد معها مائة كذبة، ويصدق؛ لأنه في الوقت الفلاني أخبر بكذا، ووقع ما أخبر به! إذاً: فالكاهن يسترق السمع، وتكون حقاً، ويُصدق بها عند الناس، فيروج معها مائة كذبة.
فحلوان الكاهن هذا نهى الله سبحانه وتعالى عنه، ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه، سواء كان الكاهن الذي يأخذه، أو الذي يذهب إليه ويدفعه له.
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الإتيان إلى هؤلاء، وقالوا:(من أتى عرافاً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) ، وإذا ردت عليه صلاة أربعين يوماً فما الذي بقي له؟! إذاً: هذا مما نهى عنه صلى الله عليه وسلم، وأيضاً مهر المرأة الباغية، وهكذا كل ما لم تكن فيه فائدة أو كان محرماً شرعاً، كالرهان، أو الميسر، وما لا فائدة فيه، أو فيه مضرة، أو فيه أكل أموال الناس بالباطل.