الأئمة الثلاثة رحمهم الله أبو حنيفة ومالك والشافعي يقولون: الحجامة لا تفطر، ولكن يخشى منها أن تئول إلى الفطر، ومن هنا ينبغي أن يتجنبها الصائم سداً للذريعة؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد يفطر، منعت القبلة لمن يخشى عليه منها مخافة أن يقع فيما هو أبعد من ذلك، فيكون منعها سداً للذريعة.
ومذهب أحمد رحمه الله وتبعه أكثر أصحابه -كما في المبدع والإنصاف- أن الحجامة تفطر، قال في الإنصاف: وهو من مفردات المذهب، واختار بعض الحنابلة أنها لا تفطر، وذكر الخلاف بين علماء الحنابلة في أن الحجامة تفطر أو لا تفطر، ولكن الراجح عندهم في المذهب أنها تفطر.
ثم ذكر الفصد، وذكر الخلاف فيه، ورجح أنه لا يفطر، والفصد -كما أشرنا-: هو أن يقطع العرق، ولا يجرح الجلد، يقطع العرق فيتقاطر الدم منه، كما في عملية نقل الدم وأخذ الدم، فإن الطبيب يأتي إلى العرق مباشرة ويدخل فيه تلك الإبرة، ويسحب الدم من العرق مباشرة.
فهذا الفصد فيه خلاف عند الحنابلة في كونه مفطراً أم لا، والصحيح عندهم أو المقدم عند أكثرهم: أنه لا يفطر.
وكذلك ينصون على أن من لم يرد أن يحتجم، ولكن جرح نفسه بدلاً من الحجامة، وليس هناك شفط، وخرج الدم من الجرح فإنه لا يفطر.
واختلفوا فيمن أخرج الدم عن طريق الرعاف من الأنف عامداً متعمداً، هل يفطر أو لا يفطر؟ وعلى هذا فالحجامة للصائم عند الأئمة الثلاثة رحمهم الله أنها لا تفطر، وبالتالي الفصد، وبالتالي الرعاف، وبالتالي الجرح، وأن للصائم أن يبط الدمل، ويقلع السن إذا احتاج إلى ذلك، وليس فيه إبطال للصوم، وكذلك له أن يعطي الدم لغيره إن كان يستطيع ذلك، فالذي يعطي الدم أو يأخذ الدم لا علاقة لصومه بالدم الذي يعطيه أو يأخذه، هذا عند الأئمة الثلاثة رحمهم الله.
أما عند الحنابلة فالحجامة والفصد والرعاف والجرح موضع اختلاف بينهم، وأما الحجامة فالراجح فيها عندهم، وهو المقدم عندهم في المذهب أنها تفطر، وهذا القول من مفردات المذهب، واختلفوا في الفصد، والراجح عندهم أنه لا يفطر، فإذا كانت العلة خروج الدم فخروج الدم من العرق أكثر وأغزر من خروجه من الجلد، فلم تفطر الحجامة ولا يفطر الفصد؟ وكذلك إذا لم تحصل الحجامة، ولم يأت بحجام، ولكن جرح جلده وخرج الدم كما لو كان يخرج من الحجامة بمقداره أو أكثر أو أقل، فإذا كانت العلة خروج الدم فلم لم يفطر بتعمده جرح يده؟ وهل الفطر يختص بشرط الجلد؟