جاء عن علي رضي الله تعالى عنه أن آل أبي أوفى كانوا أيتاماً، ولهم عنده مال وديعة، وبعد أن بلغوا سن الرشد دفع إليهم مالهم، فحسبوه فوجدوه ناقصاً، قالوا: المال ناقص يا علي.
قال: هل حسبتم زكاته؟ قالوا: لا.
قال: احسبوها.
فحسبوا زكاة تلك السنوات فوجدوه تاماً بزكاته، فقال: أترون أن يكون عندي مال ولا أخرج زكاته؟ وهنا أصبحنا في إشكال، فهذا علي لم يتجر بالمال، وتركه حتى أكلت الزكاة منه واستنقصه أصحابه؟ وهنا قال:(فليتجر له) فهل يجب على الولي أن يتجر في مال اليتيم أم أن هذا من باب النصح والرشد؟ نقول: الولي ما تولى لليتيم إلا للعمل على صلاحية حاله، واتفق الأصوليون على معنى قوله سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا}[النساء:١٠] فقالوا: كل من أتلف على يتيم مالاً، سواء أكله بفيه أو أحرقه بنار أو أغرقه في ماء، أو سلط عليه بهيمة، فهو داخل في عموم الوعيد:{إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}[النساء:١٠] .
بقي لنا هذا: هو لم يأكله، ولكن ترك تنميته، فالأصوليون أيضاً يقولون: الترك فعل، كما يذكر والدنا الشيخ الأمين في مراقي السعود:(والترك فعل في صحيح المذهب) ، وكما قال الصحابة:(لئن قعدنا والنبي يعمل -أي: في بناء هذا المسجد النبوي الشريف- لذاك منا العمل المضلل) ، فهم بالقعود ما عملوا شيئاً لكن قعدوا عن العمل، فترك العمل والقعود بدون عمل فعل، كما قال صاحب مراقي السعود: فالترك فعل، بمعنى: لو أن إنساناً على شاطئ نهر، وجاء كفيف ولا يعلم بحافة النهر، وهو يراه متجهاً إلى الماء، فإنه سيغرق، فلو تركه فلم ينبهه حتى سقط في الماء فغرق، هل هو عمل شيئاً في غرقه؟ ما عمل، ولكنه مسئول؛ لأنه ترك إرشاده، وهكذا من ترك شيئاً قادراً على أن يفعله وترتب على تركه مفسدة، فهو مسئول عنها.
وهنا علي رضي الله تعالى عنه ترك العمل في مال الأيتام عنده، فيقال في العمل في مال اليتيم: إن كان العامل من أرباب الخبرة، ولديه المتسع، ويمكن أن يعمل في مال اليتيم وينميه، فعليه أن يعمل، أو يضعه في يد أمين يعمل، أما إذا كان لا يضمن الربح، أو يخشى إن وضعه في يد آخر أن ينكره أو يهمله، فبقاؤه في محله أولى.