قال: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر ثلاثا؛ فإن الشيطان يبيت على خيشومه) متفق عليه] .
هناك في حديث عثمان رضي الله عنه قال:(تمضمض واستنشق واستنثر) ، ولم يقل (ثلاثا) ، وهنا يأتي المؤلف رحمه الله تعالى بهذا الحديث ليبين أمرين: الأمر الأول: أن المضمضة والاستنشاق ثلاث مرات.
الثاني: عند الاستيقاظ من النوم يستنثر ويستنشق ثلاثاً، وذلك لأن الشيطان يبيت على الخيشوم داخل الأنف، والشيطان اختار هذا المحل لأنه مفتوح.
وبعض العلماء يقول: لأنه موضع المخاط والقذارة، فالشيطان يتتبع هذه الأشياء، وسيأتي نص أنه يبول في أذن النائم الذي ينام عن صلاة الصبح، وهل أحد يحس بثقل الشيطان في خيشومه؟ وما هي ماهية الشيطان؟ هل هو خشب، أم حديد، أم دم ولحم فالله أعلم به، والأصل فيهم أنهم عالم نيراني، ولكن الله أمكنهم أن يتكيفوا بما لا نراه نحن، قال تعالى:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ}[الأعراف:٢٧] ، وكم ذكر أن من مؤمنيهم وصالحيهم من يتلقون العلم مع الناس، ويجلسون في حلق الدروس، ولا يعلم الناس بهم ولا يشعرون بهم، وقد يتشكلون بشكل ما حيوان أو إنسان.
وفي السنة في حديث أبي هريرة أنه أتي بمال الزكاة، وقام عليه أبو هريرة حارسا، فإذا بشخص يأتي خلسة ويسرق من الطعام، فيمسكه، فيتعذر عليه بالفقر والعيال، فتركه لوجه الله، وفي اليوم الثاني جاء فإذا به أيضا يعتذر بنفس العذر، فسأله صلى الله عليه وسلم:(ماذا فعل أسيرك البارحة؟ قال: اعتذر وشكى لي العيال، قال: سيعود فعاد في الليلة الثالثة فأمسكه أبو هريرة وقال له: لأسلمنك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا تفعل، وأعاهدك أني لن أعود، وأعلمك آية إذا قرأتها عند نومك لا يقربك شيطان، وأخبره أنها آية الكرسي، فتركه وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: عاد، ولكن عاهدني وعلمني كذا، قال: صدقك وهو كذوب) ، فهو صدق حين أخبره بأن من قرأ آية الكرسي لا يقربه شيطان، وهو كذوب لأنه ثلاث ليال يقول له:(لن أعود) ، ولكنه عاد، فجاء في شكل إنسان إلى أبي هريرة.
وفي حفر الخندق رجع رجل من الأنصار إلى بيته فووجد زوجه على الباب -وهو حديث عهد بعرس- فأراد أن يضربها بسيفه، فقالت: تعال وانظر إلى فراشك! فدخل فإذا حية ممددة على طول السرير، فالتقطها برمحه ثم ركز الرمح وسط البيت، فانتفضت عليه، فتقول الزوجة: فوالله لا أدري أيهما أسبق موتا.
فلما أخبر صلى الله عليه وسلم قال:(أصابه ولم يسم، فانتقم له أصحابه.
إلخ) .
وجاء في الحديث الآخر:(إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) ، ويوجد تحت كل شعرة عِرق يغذيها، ويقال: لو أن أوردة الإنسان وأوعيته الدموية أخذت على ما هي عليه ووصلت لدارت حول الكرة الأرضية، فهناك أوردة وعروق دقيقة جدا فالشيطان يمر فيها، قال صلى الله عليه وسلم:(فضيقوا مجاريه) .
فإذا كان يجري -وليس يمشي فقط- فلا غرابة أن يبيت على خيشومك.
فنحن نستريح بقراءة هذه الآية، وكفانا خبر السيد المصدوق صلى الله عليه وسلم، ولكن بين لنا صلى الله عليه وسلم أن الإنسان النائم ما عليه تكليف، فاتركه ينام، فإذا استيقظ واستنثر بالماء أخرج عنه الشيطان وآثاره في خيشومه.