قوله:(وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوعٍ أو سقاه على ظمأ) : كل هذا يقدمه إليه؛ لأن العاري حينما يأتيه ثوب يفرح به فرحاً عظيماً، ولو كان هذا الثوب لا يعادل عند الأغنياء المال الكثير، والغني لو جاءته حلة -بدلة-، أو حتى خمسة أثواب أو عشرة لم يفرح، ولا يكون لها الوقع والحلاوة واللذة مثل هذا الثوب الذي يهدى لهذا العاري؛ لأنه في أمس الحاجة له.
وكذلك الجائع إذا اشتد به الجوع تختلف حاله عن حال شخص منعم في قصره، ولديه جميع الأطعمة، ولو قدمت إليه مائدة مكتملة بكل أنواع الأطعمة والفواكه، فما قيمة هذا عند صاحب (العمارة) التي فيها كل ما تشتهي النفس؟ لذا تجد بعض الأغنياء يأتي إلى موائد الأفراح، وفيها ما لذ وطاب، والبعض منهم يخرج وهو يقول: والله! لو كان فيها كذا أو كذا، كالكاره لتلك المائدة؛ لأن عنده في البيت مثل هذا، لكن المسكين لو حصل على صحن بيض من هذه المائدة، وأشبع جوعته؛ فإن فرحه يساوي الفرح بالعرس كله! ولذا جاء في حديث الموائد:(شر الطعام طعام الوليمة؛ يدعى إليه من يأباه، ويمنعها من يأتيها) ، فالجوع يدفعه فيأتي إليها طمعاً في أن يشبع جوعه، فيقال له: تنح عن الناس، تنح عن الطريق!! يا سبحان الله! والله -يا إخوان- حدثت حادثة مع بعض الإخوان، وقد كانت هناك خطة لتصريف الأطعمة التي في موائد الأفراح، فيذكر لي الشخص الذي كان يقوم على ذلك، أنه كان يأخذ القدر بما فيه بالسيارة، ويأتي إلى محل فيه فقراء، ويقف ويقول: أحضروا قدوراً وصحوناً، ويقسم بالله! إن البعض منهم كان لا يجد صحناً ولا قدراً! ويأتي بورقة كيس الإسمنت ويقول: ضع لي في هذا، فما قيمة هذا الذي سيضعه له في ورقة كيس الإسمنت مع شدة جوعه؟ وهذا قدر فايض عن حاجة الذين شبعوا وزاد عنهم، فيأتي إلى أولئك الفقراء، ويوزع عليهم، فيأتيه شخص -امرأة أو رجل- بورقة كيس الإسمنت، ويقول له: ضع لي فيها!!