لكن لو جئنا إلى الدرجات، وإلى المقابلة، وإلى الثواب فالمتأخر فاته شيءٌ كثير، ثم قالوا: ولماذا كان خير الصفوف أوائلها؟ قالوا: لأن الإمام أفضل من المأموم من حيث الجملة، وبما أن الإمام أفضل من المأموم.
فمن يلي الإمام أفضل ممن يلي المأموم؛ لأن الصف الأول يقتدي به الثاني، والثاني يقتدي به الثالث، ثم جاءت النصوص:(عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على الصف الأول المقدم ثلاثاً، وعلى الثاني مرة) وأيضاً هناك تفضيل ميامن الصفوف، فهناك مفاضلة، وإن كانت صلاة واحدة.
والذين يصلون في الصف الأول يأتون في أول الوقت، فهم يصدق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم:(ورجل قلبه معلق بالمساجد) ، وكلما سبق إلى المسجد كلما كان أفضل.
لكن لا يتأخر ثم يأتي يتخطى الرقاب من أجل أن يصل إلى الصف الأول لينال الخيرية؛ لأنه بهذا إنما يريد أن يصل إلى الخيرية على أشلاء الفضائل بإهانته للمصلين الذين يتخطى رقابهم، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة قال:(اجلس؛ فقد آذيت وآنيت) ، و (آنيت) من الأين، وهو الوقت، أي: جئت متأخراً فآذيت، فإذا أردت الصف الأول فاحضر مبكراً.
ولهذا كان الصف الأول خيراً من المتأخر، كما أن الأتبع للإمام من الصفين الصف الأول؛ لأنه يليه مباشرة، وإذا حدث للإمام حدث فالصف الأول أولى به.
فأهل الصف الأول يتابعون الإمام بالصوت وبالرؤية، وهم الذين ينقلون عن الإمام، أو يساعدون الإمام، وإذا حدث أي شيءٍ للإمام فهم أولى به، وسيأتي زيادة إيضاح ذلك عند قوله صلى الله عليه وسلم:(ليليني منكم أولو الأحلام والنهى) .
أما النساء فعلى العكس من ذلك، قال:(خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) ، وهنا تعليل عملي، قالوا: لأن أول صفوف النساء يلي آخر صفوف الرجال، فتكون النسوة قريبات من الرجال، والمرأة كلما بعدت عن الرجال كان خيراً لها ولو كان في الصلاة، ولهذا كانت صلاتها في بيتها خيراً لها من صلاتها في المسجد.