بقي هنا إشكال، فقد جاء عن ابن عباس أنه كان يرى أن النهي عن لحوم الحمر الأهلية، للكراهة، وليس للتحريم، ولما سُئل: قال: لا أدري أنهى عنها؛ لأنها ظهر الناس، أو لأنها من جوال القرية! فقوله:(لا أدري) لا يجوز أن نجعله حجة نرد بها حديثاً صحيحاً صريحاً.
ثم إن كلام ابن عباس في علة التحريم، فهو يقول: لا أدري لماذا نهى عنها، هل إبقاءً على الظهر -أي أنهم لو أكثروا ذبح الحمر فعلى أي شيء سيحملون متاعهم حتى يعودوا إلى المدينة، أو أنها من جوال القرية، وجوال القرية هي التي تخرج في الطرقات وتلتقط كل ما واجهها، حتى العذرة، فإذا كانت حيواناً مأكول اللحم -واتصف بأنه من الجلالة- منع أكله حتى يحبس، ويطعم طعاماً طاهراً ثلاثة أيام على الأقل، سواءٌ أكان ذلك من الدجاج الدواجن، أم كان من غيرها، وأكثر ما يكون هذا داء في البقر.
ويجاب عن هذا بأن جوال القرية هي الحمر المسيبة، أما هذه -أي: التي نزل فيها التحريم- فهي مع أناسٍ غزاة لا يتركونها في الخلاء، بل هي مستعملة عندهم ينتقلون عليها، ويحملون متاعهم عليها.
أما قوله:(إبقاءً على الظهر) فإنه رخص لهم أن يأكلوا من لحوم الخيل، فإذا كانت القضية قضية ظهر فالخيل أولى أن يُبقى عليها؛ لأنها أجلَّ في هذا الباب، وأنفع من الحمر في الظهر للغزاة يقاتلون عليها، ويحملون عليها أكثر مما يحملون على الحمر، وهي أصبر على السفر من غيرها.
ومن هنا قالوا: إن رأي ابن عباس مبني على اجتهاد شخصي خالف فيه غيره من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وهذا إن صح.