[وقوف المتأخر إلى نهاية الخطبة الأولى ثم يصلي تحية المسجد]
وقد نشاهد بعض الناس يظل واقفاً إلى أن ينتهي الإمام من الخطبة الأولى، ثم ينشئ الصلاة، أو يجلس حتى إذا بدأ الإمام في الخطبة الثانية قام وصلى، والخطبة الثانية والخطبة الأولى سواء، وما دام أنه قد أذن لنا النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة حينما يدخل الإنسان وقبل أن يجلس، فليصلها ولا يظل واقفاً، حتى إن بعضهم قال: لا يدخل المسجد حتى لا يتعارض وجوب الإصغاء مع الأمر بالصلاة، وهذا شيء عجيب، فهو يفوت على نفسه سماع الخطبة ويخالف بذلك الحديث.
وعلى من أتى الجمعة أن يحاول أن يبكر قبل أن يجيء الإمام؛ لأن هذا سنة، وقد قيل: أول سنة تركت هي التبكير يوم الجمعة.
وعمر رضي الله عنه يعاتب عثمان رضي الله عنه حينما دخل المسجد وعمر يخطب، فقال: أي ساعة هذه؟ قال: والله يا أمير المؤمنين! ما لبثت أن سمعت النداء فتوضأت فأتيت.
قال: والوضوء أيضاً؟ يعني: وأيضاً ما اغتسلت! فهنا عمر رضي الله عنه ما قبل من عثمان أن يتأخر حتى يأتي وقت الخطبة، وهل عمر عاتب كل إنسان؟ وهل جاءنا أن عمر عاتب كل من تأخر؟ والجواب: لا، فالناس لهم أعذارهم، ولكن عثمان من أئمة الصحابة ومن قادتهم، وصدور الشيء من قادة الناس بخلافه من عامتهم، كما قال عمر لـ طلحة وقد رآه لابساً ثوباً مصبوغاً: ما هذا يا طلحة؟ وقد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الصبغ بالورس والزعفران! -والورس والزعفران يعطيان لوناً أحمر- قال: يا أمير المؤمنين! ما هو بورس ولا زعفران، وإنما هي المغرة.
قال: يا طلحة! إنك من أصحاب رسول الله -أي: من طليعتهم ومن أكابر أصحاب رسول الله- فلعل رجلاً يراك بهذا فيظن أنك صبغت بورس وزعفران، وأنتم أئمة يقتدى بكم.
فلما كان طلحة من الذين يقتدى بهم كان عليه أن يتباعد عما فيه الشبهة؛ لئلا يظن جاهل أنه ارتكب ما نهي عنه، فيقتدي به، وكذلك عثمان إمام يقتدى به، فإذا كان عثمان يتأخر فمن سيتقدم؟ ولكن كما يقولون: الناس لها أعذارها.
ولذلك لما آلت الخلافة إلى عثمان رضي الله عنه أنشأ أذاناً قبل الوقت على الزوراء، والزوراء كانت عند باب الشام الذي فيه الآثار القديمة، ويبعد عن المسجد النبوي حوالي أربعمائة متر، وكان في سوق كما يقال، أو عند مخازن الزيت أو أحجار الزيت، وكان في وسط سوق المدينة، فكان المؤذن بأمر عثمان يؤذن قبل الوقت لينقلب أهل السوق إلى بيوتهم ليتهيئوا للجمعة، وليحضروا إلى المسجد قبل أن يدخل وقت الأذان الذي به تكون الصلاة، وذلك لأنه لما وقع فيما وقع فيه قال: ما لبثت أن سمعت الأذان فتوضأت وجئت.
يعني: لو كان هناك تنبيه قبل هذا كنت جئت، فهو أحدث التنبيه السابق ليتهيأ الناس قبل الوقت، وليأتوا متهيئين؛ لئلا يفوتهم أول خطبة الإمام يوم الجمعة.
فالواجب على الإنسان التبكير، ويذكر بعض العلماء أن أهل المدينة كانوا ربما قدموا إلى الجمعة ومعهم المصابيح تضيء لهم الطريق، أي: كانوا يجيئون فيصلون الصبح ثم يقعدون، كما يحصل في صلاة العيد، حيث يبكر الناس لأجل الأماكن، وقد جاء في الحديث: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قدم بدنة ... ) إلخ، فالواجب أن يبادر الإنسان إلى الجمعة، فإذا ما تأخر لعذر وجاء والإمام يخطب فليصل ركعتين كما في هذا الحديث.
وبعضهم يجيب عن هذا الحديث بكونها قضية عين، ومعنى أنها قضية عين عند الفقهاء أنها خاصة بشخص معين، وأنه حديث غير عام، فلم يقل: من أتى والإمام يخطب فليركع ركعتين ويخفف فيهما، فلو جاء مثل هذا النص لكان تشريعاً عاماً، فقالوا: هي قضية عين؛ إذ أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يلفت الأنظار إلى سليك ليتصدق الناس عليه.
فقالوا: لا يصلح هذا أن يكون دليلاً لجميع الناس، ولكن يجيب بعض العلماء على أن قضية العين أعقبها تشريع عام، حيث قال: (قم فصل ركعتين وتجوز فيهما) ، ثم قال: (من أتى والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما) ، فانتهت قضية العين وأعقبها تشريع عام لكل من أتى، وبعضهم يقول: هذا الحديث ضعيف لا يقاوم الأحاديث الأخرى.
والأرجح في ذلك العمل بهذا الحديث، فعلى الداخل أن يصلي ركعتين خيفيفتين، والله تعالى أعلم.