[فضل من صلى اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة]
قال المؤلف رحمه الله: [وعن أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى اثنتي عشرة ركعة في يومه وليلته بني له بهن بيت في الجنة) رواه مسلم.
وفي رواية: (تطوعاً) ] .
نحن حفظنا عن ابن عمر عشر ركعات، وأم حبيبة رضي الله تعالى عنها تقول: (اثنتي عشرة ركعة) .
فجاءت هنا زيادة، وكما أشرنا أن الزيادة إذا كانت من ثقة فهي مقبولة؛ لأنها تتضمن ما كان أقل منها وتزيد عليه، فالاثنتا عشرة ركعة تتضمن العشر، فهي تشتمل على العشر وتأتي بالزيادة، لكن لو أنها قالت: ثماني ركعات، فإن في ذلك معارضة لحديث العشر، فإذا قالت: اثنتا عشرة أو أربع عشرة لا مانع؛ لأن العشر المحفوظة داخلة ضمن الزيادة، وهو أيضاً على سبيل الإجمال ثم التفصيل.
قالت: (اثنتي عشرة ركعة) ، وسيأتي تفصيلها في رواية عند غير مسلم، الحديث الأول فيه: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) ، وهنا (اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة) ، يا سبحان الله! هل نقول: ما أهون بيوت الجنة أم نقول: ما أعظم أجر الصلاة؟ الجنة ليست رخيصة، ولكن الثمن يقابل المثمن، والمثمن هنا بيت في الجنة، لو قيل: لك بيت في المدينة، أو في الحرة من اللِّبن، أو من الحجر أو عمارة على أن تصلي ألف ركعة المسألة صلاة ما فيها مال ولا دينار، ولكن الصلاة رأس الإسلام وعموده وهي الحق المفروض لله سبحانه وتعالى؛ ولأن الصلاة هي أكبر عون للعبد في دينه ودنياه، ولأنها أكبر حرز للمسلم من الخطايا: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:٤٥] ومما يلاحظ أنه قد أتى قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:٤٥] مرتين في حق بني إسرائيل، فجاء في حق بني إسرائيل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ * وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:٤٤-٤٥] إذاً: الصلاة كبيرة على بني إسرائيل هذا في الأول، ثم تأتي في حق هذه الأمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:١٥٣] فرق بين هذه الآية وبين الآية الأخرى، كأنها ليست ثقيلة، وإن كانت هي في ذاتها لا شك أنها عبء وتكليف، ولا أقول: ثقيلة في قوله سبحانه: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل:٥-٦] الوحي تكليف ثقيل، ولكن ناشئة الليل تقاوم وتعادل ذلك، فيكون هناك استعداد، وإمداد بأن يتهيأ لناشئة الليل التي هي أشد وطئاً وأقوم قيلاً، فيتحمل ما سيلقى إليه من قول ثقيل، لكن المغايرة تعطينا نوعاً من المفاضلة، ففي حق بني إسرائيل ثقيلة إلا على الذي اتصف بالخشوع بين يدي الله فإنه لا يستثقل شيئاً، وجاء في بعض أخبار الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه أنه كان يصلي، فسقط ركن من المسجد، فلما انتهى من صلاته وجد غباراً، فقال: ما هذا الغبار؟ قالوا: أولم تسمع ركن المسجد عندما سقط؟ قال: والله ما دريت عنه، كنت في الصلاة.
وجاء عنه أنه كان إذا جلس يتوضأ يصفر وجهه، فقيل: لماذا يصفر وجهك عندما تتوضأ؟ قال: ألا تدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ فيهمنا بأن الصلاة لأهميتها إذا حافظ الإنسان على نافلة فيها يؤجر عليها كما في الرواية الأخرى: (بنى الله له بيتاً في الجنة) وبيت الجنة لا يستطيع أن يعلم أحد بمواصفاته إلا الله، وجاءت أحاديث أن بعض بيوت الجنة من لؤلؤة واحدة يرى داخلها من خارجها، كما جاء في حديث زيد بن ثابت مع رسول الله، وجاء في خبر عمر رضي الله عنه إلى غير ذلك.
إذاً: الصلوات هي عماد الدين، وتعود على المصلي بكل خير، وكما أشرنا أنها أكبر حرز له من الخطايا: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:٤٥] هذا إذا أديت بواجباتها، ورزق الله العبد حسن التلذذ وارتياح النفس، وطمأنينة القلب بالمناجاة بين يدي الله.
إذاً: اثنتا عشرة ركعة ثمنها بيت في الجنة، ومثل هذا لا يستكثر على المولى، لأن عطاءه كلام: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:٤٠] .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وللترمذي نحوه وزاد: (أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر) ] .
وماذا زادت أم حبيبة على حديث ابن عمر؟ ابن عمر قال: (ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها) ، وأم حبيبة اتفقت مع ابن عمر في كل الأوقات ما عدا قبل الظهر، فزادت ركعتين فيما قبل الظهر، فاتفقت مع ابن عمر في العشر الركعات، وزادت ركعتين، واتفقت مع عائشة في أربع قبل الظهر، وبهذا تكون مجموع السنة أو النافلة على ما سيأتي إجماله اثنتا عشرة ركعة.
ويهمنا أن أم حبيبة زادتنا بما تتفق فيه مع عائشة وابن عمر ركعتين، وهما في الأربع التي قبل الظهر.
وهذا سؤال: كيف تكون كيفية هذه الركعات؟ أهي أربع ركعات بتكبيرة واحدة وسلام واحد أم أنها مفصولة ركعتين ركعتين؟ نجد الخلاف في هذا بسيطاً، فقال البعض: يصلي أربعاً مجموعة، وقال البعض الآخر: لا، هذه صورة الفريضة، فيجب أن تكون الأربع مفرقة ركعتين ركعتين، وسيأتي المؤلف بحديث: (صلاة الليل مثنى مثنى) ، وفي بعض الروايات زيادة: (صلاة الليل والنهار) , لكن زيادة (والنهار) يردها علماء الحديث بأن سندها غير ثابت، ويرى الجمهور أن الأربع قبل الظهر ركعتين ركعتين لحديث: (صلاة الليل مثنى مثنى) وهذا حديث صحيح ثابت، وإذا كانت صلاة الليل مثنى مثنى قالوا: قياساً على صلاة الليل تكون أيضاً مثنى مثنى، وقالوا أيضاً: لعدم تشبيه النافلة بالفريضة، وقالوا أيضاً: إن في تفريقها زيادة عبادة، فلو جمعناها لم يكن فيها إلا تكبيرة إحرام واحدة، ولو فرقناها كان فيها تكبيرتان، ولو جمعناها ما كان فيها إلا تسليم واحد، ولو فرقناها كان فيها تسليمان، وكذلك التشهد في الجمع يكون تشهداً أوسطاً، وفي التفرقة يكون تشهداً كاملاً، وإضافة إلى ذلك يؤتى بالدعاء المأثور بعد التشهد الأخير.
إذاً: تفرقتها أكثر أجراً من جمعها لأنه أكثر عملاً، وهذا ما يرجح أن صلاة النهار لتلك الأربع تصلى مفرقة.