مسألة: من كان جالساً في المسجد ثم يقوم ويصلي ركعتين بين الأذان الأول والثاني الذي تصح فيه الصلاة، هل هذا مشروع؟ هذه المسألة مستجدة، وقد سئل ابن القيم عن ذلك، فقال كلمة أود ألا يستعملها طالب علم: من ظن أنها سنة فهو أجهل من حمار أهله، وسئل عنها ابن تيمية رحمه الله -وهو شيخه- فكتب فيها رسالة وهي موجودة ضمن المجموع، وكان جواب ابن تيمية رحمه الله جواب داعية، وأنا أقول: إن في هذه الرسالة فلسفة الدعوة، وحكمة الداعي؛ فقال رحمه الله: ليعلم كل إنسان أن تلك الصلاة لم تكن موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عهد أبي بكر ولا عمر، ولكنها وجدت في عهد عثمان؛ لأن عثمان هو أول من أنشأ هذا الأذان، وكان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر أذان واحد عند دخول الوقت، وكان بلال عندما يذهب يسوي الصفوف يقول للرسول صلى الله عليه وسلم في غير الجمعة: لا تسبقني بآمين، وكان في يوم الجمعة يفرغ من الأذان على سطح المسجد أو البيت المقارب له، ويشرع الإمام في الخطبة، وجاء في صحيح البخاري في باب: رجم المرأة، أن عمر لما جلس على المنبر وفرغ المؤذن من الأذان قام يخطب.
إذاً: في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد أبي بكر وعمر كان أذاناً واحداً، وحينما يفرغ المؤذن وقبل أن ينزل من السطح يشرع الخطيب في الخطبة، فما كان هناك وقت يمكن لإنسان أن يصلي فيه، وإنما وجد الوقت حينما جاء عثمان رضي الله تعالى عنه وأوجد الأذان الأول، وأصبح هناك أذانان.
فـ ابن تيمية رحمه الله تعالى ورضوان الله تعالى عليه، وجزاه الله أحسن الجزاء في هذه الحكمة في الدعوة قال: ينبغي لطالب العلم وقد علم ذلك ألا يفعلها في نفسه، وإذا رأى من يفعلها فماذا يكون الحال؟ لينظر: إن كان ممن يظن فيه قبول النصيحة بين له، وإن كان يخشى إن هو بين له أن يجفوه ويتهمه بمحاربة السنة أو الصلاة فالترك أولى، وليلتمس له عذراً من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(بين كل أذانين صلاة) ، والأذان الأول الذي شرعه عثمان دخل في حيز المشروعية؛ لأنه مشروع من خليفة راشد، والرسول صلى الله عليه وسلم قال:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) ، فما أوجده عثمان رضي الله تعالى عنه أصبح مشروعاً لأنه سنة خليفة راشد.
يهمنا في هذا التوجيه الكريم: أخذ العذر لمن يصلي في ذلك الوقت.