للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[زكاة الدين]

وهذه القاعدة عند مالك تطرد في الدين، فلو كان لإنسان دينٌ عند الناس، فجاء الحول على تلك الديون، فالجمهور يقولون: عليه أن يحسب هذا الدين الذي له عند الناس ويزكيه فهو ملكه، وليس على المدين أن يخرج زكاة الدين الذي لغيره، وإلا فسيكون رباً.

فإذا كان الدائن له أموال بأيدي الناس، فالأئمة الثلاثة أبو حنيفة والشافعي وأحمد رحمهم الله قالوا: يقدر الدين ويضمه إلى ما بيده وفي صندوقه ويزكي عن الجميع.

فـ مالك رحمه الله فصَّل في الدين، فقال: زكاة الدين بحسب المدين وحالته، والمدين عند مالك موسر قادر، أو معسرٌ عاجز، أو مماطل.

قال: فالدين إذا كان على موسر قادر غير مماطلٍ بحيث لو أتاه في أي ساعة أعطاه ماله؛ فهذا الدين يعتبر مضمون السداد وكأنه في يد الدائن، وذلك كما في الودائع المصرفية والبنكية، حيث يمكن أن تذهب إلى المصرف أو البنك وتطلب طلبك من رصيدك فيعطيك في الحال؛ قال: هذا النوع من الدين عليه أن يزكيه في نهاية كل حول؛ لأنه في متناول اليد.

أما الدين الذي ليس في متناول اليد، وصاحبه معسر ليس عنده، أو موسر مماطل، أو موسر ولكن لا يستطيع أن يستدعيه عن طريق السلطة، لأنه هو السلطة بنفسها، فلا يجرؤ على شكايته أو رفع دعوى عليه في المحكمة، أي: لا يستطيع أن يأخذ حقه منه، فهذا يسميه مالك دينٌ ضمار، أي: لا يستطيع أن يصل إليه، ولا يستطيع أن يستثمره، بخلاف المضمون، فإنه ولو لم يستثمره فهو الذي كف يده عنه، كأمانات في البنوك أو في المصارف فإنه لا أحد يمنعك أن تأخذها وتشغلها، لكن أنت بنفسك آثرت أن تكون أمانة بدلاً من أن تعرضها للتجارة، فإذا كان المال مضمون الدفع فكأنه في يدك، أو كأنك وضعته في صندوقك، أو كأنك دفنته في الأرض، فهو مالك وتحت يدك، فعليك أن تزكيه في نهاية كل حول.

أما إذا كان دينٌ لك في يد الغير وهذا الغير مماطل، أو ليس عنده سداد، أو لا تستطيع عن طريق السلطة أن تأخذ حقك منه، فحينئذٍ في هذه الحالة يقول الجمهور: يقدره في نهاية كل حول ويزكيه لأنه ملكه، ومالك يقول: هذا النوع من الدين لا يزكى إلا إذا حصل في اليد، وكلما قبض من هذا الدين شيئاً زكاه في وقته، سواءً استلم في اليوم نصاباً أو أقل من النصاب، ما دام أن مجموع القرض في الأصل نصاب، فإذا كان مجموع القرض ألفاً أو ألفين أو عشرة آلاف وأصحابها معسرون، وبدأ شخص اليوم فأدى خمسة، وآخر أدى عشرة، وآخر أدى سبعة بعد الحول الأول، فعليه أن يزكي كل ما وصل إليه حتى ولو كان عشرة ريالات؛ لأنه زكوي، والزكاة واجبة فيه من وقت بلوغ الحول والنصاب، فعليه أن يزكي كل حصةٍ جاءت في يده بحسبها، فيخرج منها ربع العشر، فلو أعطاه عشرة ريالات فإنه يخرج ربع ريال.

وعلى هذا زكاة الدين وكذلك زكاة عروض التجارة.