الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: قال المؤلف رحمه الله: [وعنه رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: (لا يخلُونّ رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتُتبت في غزوة كذا وكذا، فقال: انطلق فحج مع امرأتك) متفق عليه، واللفظ لـ مسلم] .
هذا الحديث يتناول قضية كبرى من كبريات قضايا المجتمع، ألا وهي: قضية سفر المرأة، ومفهوم سفر المرأة يقتصر على ما يسمى سفراً في العرف، بخلاف ما كان دون ذلك، كما لو خرجت المرأة من المدينة إلى قباء، فلا يقال: إن هذا سفر، أو خرجت من بيتها من ضاحية المدينة إلى المسجد النبوي فلا يقال: ذلك سفر، وإنما السفر كما يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله:(كل ما احتاج الإنسان معه إلى زاد وراحلة) هذا بالجملة، ولكن جاءت نصوص:(يوم وليلة) ، (يومين) ، (ثلاثة أيام) ، إلى غير ذلك.
وصدر الحديث (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم) قضية عامة: لا يخلون رجل بامرأة، حضراً أو سفراً، والخلوة: أن يكون الاثنان معاً فقط، سواءً كان في السيارة، أو كان في الخيمة، أو كان في البيت، أو.
إلخ، إذا خلا المكان من غيرهما فهذا ممنوع؛ لأنه قد جاء في الحديث:(ما خلا رجل بامرأة، إلا كان الشيطان ثالثهما، أو معهما) وإذا كان الشيطان معهما فسيجرهما إلى الشر، ولهذا نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
ثم جمع مع النهي عن الخلوة ما يتعلق بموضوعها أيضاً وهو السفر للحج، فالمرأة حين سألت النبي: هل تحج عن أمها؟ فقال: حجي، فعندها يأتي السؤال: كيف تحج؟ فجاء بشرط حج المرأة وسفرها: أن يكون معها محرم، ومن هنا يرى أحمد رحمه الله: أن استطاعة المرأة للحج بالزاد والراحلة والمحرم، وإذا لم يكن لها محرم كزوج، وأب أو كان محرمها فقيراً لا يستطيع الحج فلا تتم استطاعتها، والجمهور: على أن استطاعة المرأة كاستطاعة الرجل، الزاد، والراحلة، والمحرم شرط زائد عن ذلك.
والأئمة الثلاثة رحمهم الله في حج المرأة حجة الفريضة من غير محرم يقولون: إن كانت هناك رفقة مأمونة فلها أن تخرج للفريضة فقط، وما هي الرفقة المأمونة؟! إذا كانت المرأة في جمع من النسوة مع محارمهن إلى غير ذلك، فتخرج لحج الفريضة ولا تخرج لحج النافلة.
لما قدم المؤلف رحمه الله بيان فضل الحج، جاء بشروط وجوبه، وهي: الاستطاعة، وتفسيرها من النبي صلى الله عليه وسلم بالزاد والراحلة، ثم جاء بعد ذلك بمن يحج عن غيره، من أب أو أم، حياً أو ميتاً، نذراً أو غير نذر، ثم جاء هنا بواجب من الواجبات، أو بشرط من الشروط وهو: حج المرأة بمحرم لها.