نجد أن جميع الحقوق في الإسلام قد صينت، وأما الأنساب فقد حرم الله الزنا؛ لأن به اختلاط النسل، وجعل فيه الحد الجلد أو الرجم، وجعل له حمى كما جعل للمال حمى تحريم الاختلاس والغش والتدليس، وفي الزنا حرم الخلوة بالأجنبية، وسفر المرأة بغير محرم معها، والنظرة تلو النظرة، وحرم كل ما لا يجوز للإنسان فعله {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا}[النور:٣٠] ، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ}[النور:٣١] ، فكل ذلك حرمه حماية للأنساب، وسداً لباب الشيطان.
بل قد سد الشرع كل منافذ القلب، فالعين والأذن والأنف كلها منافذ توصل إلى القلب، فالعين بالنظر:(لك الأولى وعليك الثانية) ، والأذن:{فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ}[الأحزاب:٣٢] ، وبالأنف:(لا تخرج المرأة من بيتها متعطرة) ، كما جاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنه مرت به امرأة فشم ريح العطر منها، فقال: يا هذه! ارجعي فاغتسلي غسل الجنابة فإنك زانية.
وأين الزنا؟ الحديث الآخر يبين ذلك؛ لأن الزنا نسبي، (فالعين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها السمع، والأنف.
والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) ، وكذلك السمع:{وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}[النور:٣١] ، كن يلبسن الخلاخل في الرجل، فإذا ضربت الأرض برجلها تصادم الخلخالان -من الفضة مجوفان- وأحدثا صوتاً يسترعي الانتباه، وهكذا كل ما يلفت النظر إلى المرأة: لباسها، زينتها، لا تبدي زينتها فتسترعي الأنظار إليها.
إذاً: حفظ الأنساب، وجعل في التعدي بالزنا الحد، وجعل له حمى حتى لا يصل الاثنان إلى ما حرم الله.
وكذلك الأعراض: وهو السباب، والقذف بالمحرمات.
كل ذلك صيانة للمجتمع، فإذا ما سلّم المجتمع الإنساني ولا أقول الإسلامي بل الإنساني لأن لهذا لكل الإنسانية حفظ له دينه.