للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المضمضة والاستنشاق وحكمها]

قال رحمه الله تعالى: [ولـ أبي داود في رواية: (إذا توضأت فمضمض) ] .

حكم الاستنشاق في الوضوء في حديث لقيط، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق) وأعتقد أنه قد علم بالضرورة أنه إذا لم يسبغ الوضوء فالوضوء ناقص، وإذا كان الوضوء ناقصاً فالصلاة غير صحيحة، فإسباغ الوضوء واجب.

وأما تخليل الأصابع فإنه قد اتفق العلماء على أن تخليل الأصابع سنة، فلو أنه توضأ ونسي -وقلنا: (نسي) ؛ لأنه لا ينبغي لمسلم أن يعلم سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم ويتعمد تركها؛ لأن هذا تقصير وإهمال فإذا نسي أن يخلل أصابعه فالوضوء تام ومجزئ، لكن لا ينبغي أن يترك ذلك عمداً.

وأما الاستنشاق فبعض العلماء يقول بأنه واجب؛ لأن الرسول أكد عليه بالمبالغة إلا في الصيام؛ لأن المحافظة على الصيام أهم منه، وبعضهم يقول: إنه سنة من سنن الوضوء وهناك من نظر إلى الآية الكريمة فقال كما قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: الآية الكريمة فيها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:٦] ، قالوا: الوجه من المواجهة، والفم والأنف إن كانا من الوجه فالمضمضة والاستنشاق واجبان؛ لأنهما من تتمة الغسل للوجه، وإن كانا مستقلين فقد حصل غسل الوجه بدونهما.

وقوم قالوا: هما من الوجه ولكن هل هما عضوان ظاهران كالخد والجبهة، أو أنهما خفيان لأننا لا نرى ما بداخلهما؟ فمن قال بوجوب الاستنشاق والمضمضة فلأنهما من تتمة الوجه، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:٦] ، ومن قال بأنهما عضوان مستقلان ولهما اسمان متميزان قال: الوجه محدود بغيرهما.

وعلى هذا يختلفون، ولكن الجمهور يتفقون على أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الغسل غير واجبين في الوضوء قالوا: لأن هناك حديث علي رضي الله عنه: (تحت كل شعرة جنابة) ، فكل موضع يمكن أن يصل الماء إليه يجب أن يعمم بالماء عند الغسل من الجنابة.

ومن العلماء من فرق بين الغسل والوضوء، فجعل الاستنشاق واجباً وجزءاً من الغسل، وليس واجباً في الوضوء.

ويأتي المؤلف رحمه الله بأثر بعد هذا، وهو: (إذا توضأت فمضمض) ، فقوله: (بالغ في الاستنشاق) أمر وزيادة، أمر بالاستنشاق وزيادة المبالغة، والمضمضة ليس فيها مبالغة؛ لأن حد المضمضة أن يأخذ الماء ويديره في فيه بلسانه أو بالهواء، ثم يمجه، والفم له حدوده، وليس هناك زيادات، ولكنه جاء بصيغة الأمر (إذا توضأت فمضمض) ، فهذه صيغة أمر، ولهذا فمن قال: إن المضمضة واجبة في الوضوء فلصيغة الأمر الوارد، ومن قال: إنه لا تجب المضمضة قال: هذا الأمر للإرشاد والاستحباب.

ولكن لا ينبغي للإنسان أن يترك المضمضة والاستنشاق للوضوء من وضوئه، واستدلوا على تأكيد فعلهما في الوضوء بفعله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل من نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر المضمضة والاستنشاق.

والله تعالى أعلم.