وهنا وقفة: البهيمة إذا ماتت حرمت، وسبب تحريم الميتة احتباس الدم فيها، وما فيه من ثاني أكسيد الكربون الذي لم يتخلص منه، فإذا قيل: فكيف يحرم هذا العضو؟ فنقول: كل علة في التشريع لها سببان: سبب لحق الله، وسبب لحق المخلوق، أي: سبب راجع لحق الله، وسبب راجع لمصلحتنا، فهذه الميتة حرمت علينا، وعلة والقضية العامة في حكمة التحريم تشمل جانبين: الجانب الأول: أن الله نهى عنها، فمن أكلها فقد تعدى النهي، وانتهك حرمة أوامر الله ونواهيه؛ لأن الواجب امتثال الأمر واجتناب النهي.
الجانب الثاني: إذا وجدت الله ينهاك عن شيء فثق وتأكد -وأنت مغمض العينين- بأن وراءه حكمة تنفعك وتعود عليك في دينك وفي بدنك وفي أخلاقك، وفي أي جانب من الجوانب، سواء أدركت ذلك أو لم تدركه، وبالتتبع والاستقصاء وجدنا أنها كلها مدركة.
فالله سبحانه وتعالى قد قال:{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}[الأنعام:١٢١] ، فنهى أن نأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، فلو جاء رجل وثني بسيف حاد ونحر الناقة أمامك، وخرج دمها كله، لكنه قال: باسم العزى، أو باسم اللات، أو باسم الصنم، فإن ثاني أكسيد الكربون الموجود في الدم قد انتهى، لكن بقي حق الله؛ لأن الذي خلق هذه الدابة هو الله، وهو الذي أنزل إليها الماء وأنبت لها الأرض، وهو الذي كونها وجعلها تنمو من هذا النبات، وهو الذي سخرها لنا، فإن البعير قوته تعادل عشرين أو ثلاثين رجلاً، وإذا بطفل صغير يضربه بالعصا ويقوده، فمن الذي سخر لنا هذه الدابة؟ إنه الله.
وبعد هذا كله، وبكل وقاحة، وبكل جرأة يقول: باسم اللات والعزى! فهل خلقه اللات أو العزى أو رزقه أو أحياه أو سخره له؟! ليس له أي علاقة، فهذا ظلم وتعدي.
إذاً: علة التحريم هنا موجودة.
فإذا قطع شيء من بهيمة فهو -أولاً- اعتداء على البهيمة.
والعلة الثانية: احتباس الدم في ذلك العضو، فإنه لم يتخلص منه، وأنت تجد عند الذبح أن الدم يجري؛ لأن القلب يضخ الدم فيخرج من هذا المنفذ، أما الجزء الذي قطع فالدم قد جمد في عروقه؛ لأنه ليس هناك ما يحركه، فيبقى الدم محبوساً بقسميه الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون، ويكونان في هذه القطعة التي قطعت، ففيها مضرة عليك، ولهذا جاءت القاعدة عامة: ما قطع من بهيمة فهو كميتته، أو ما قطع من حي فهو ميت.