هل الأصناف الأربعة التي أوجب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة أوجبها لأعيانها وذواتها أم أنه أوجب الزكاة فيها لعلة موجودة تخصها؟ فالجمهور على أنه أوجب الزكاة فيها لعلة موجودة فيها، فلو قلنا: إن العلة المشتركة بين هذه الأصناف الأربعة أنها مما تنبت الأرض، فكذلك الخضروات والفواكه، فإنها مما تنبت الأرض.
وإن قلنا: العلة كونها تجفف وتدخر، فهناك الأرز يجفف ويدخر.
فقالوا: العلة الجامعة بين هذه الأصناف الأربعة كونها قوتاً، والقوت تدفع به الحاجة، وهو القدر المشترك في الإرفاق بين الغني والفقير، إذاً: وجبت الزكاة في هذه الأصناف الأربعة لكونها قوت العباد.
فإذا كانت العلة الاقتيات فإننا ندخل الأصناف التي تشترك في علة القوت، فالجمهور -خلافاً للشافعي وأحمد في رواية- قالوا: كل ما أنبتت الأرض من حب مكيل مدخر فوق خمسة أوسق، أو مكيل يوزن ومدخر، ففيه الزكاة؛ لأن التمر والزبيب والشعير والبر يخزن في المخازن والبيوت ويدخر، وكان قوتاً؛ فالتمر والشعير والبر قوت، وهل الزبيب قوت مثل التمر أم لا؟ قد يدخل في ذلك وقد لا يدخل، فإذا وجدنا من الحبوب ما يشارك الأصناف الأربعة في العلة ألحقناه بها، فجئنا ووجدنا الذرة تشارك -وفي بعض الروايات ذكرت الذرة ولكن السند ضعيف- الأصناف الأربعة في علة كونها مدخراً، ومكيلاً، وقوتاً، وجئنا إلى الأرز فوجدناه اليوم مقدماً على البر والشعير، وأصبح من عامة أغذية الناس.
إذاً: هل نزكي عن الشعير الذي أصبح الآن علفاً للحيوانات ونترك الأرز الذي هو عمدة طعام البشر؟! ثم وجدنا العدس إداماً وليس قوتاً، وكذلك اللوبيا، فهنا يقولون: ما لم يكن قوتاً وكان إداماً أو دواء فلا زكاة فيه؛ لأن الأصناف الأربعة اجتمعت على علة الادخار والاقتيات، فما كان دواءاً للخصوصيات فقد خرج عن كونه قوتاً لأنه لم يشتمل على الأوصاف الثلاثة: الكيل، والادخار، والقوت.
وما كان دواء مثل: الكمون، والكراوية، والينسول، وكذلك الحبة السوداء فهي دواء، فإنها خرجت عن كونها قوتاً وإن كانت مكيلة ومدخرة، فقالوا: ما لم يكن قوتاً مدخراً مكيلاً، فلا نلحقه بالأصناف الأربعة؛ لأنه من شرط المقيس أن يتفق في أوصافة مع المقيس عليه، فإذا نقص من أوصافه شيء نكون قد قسنا شيئاً على شيء أكبر منه، فيكون ناقص الوصف.
إلى هنا وبصفة إجمالية: هذه الأصناف الأربعة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ معاذ ولـ أبي موسى عند إرسالهما إلى اليمن موضع إجماع، وحصل الخلاف فيما عداها.