مسألة: قوله عليه الصلاة والسلام: (لا أحل) ، هل هو المكث على الدوام أم المرور؟ قوله سبحانه:{وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ}[النساء:٤٣] قالوا: هذا في السفر، وقوم قالوا: هذا في الصلاة، فالجنب والحائض يمكن أن يكونا عابري سبيل، وبعضهم يقول: ليس على الاختيار لكن عند الاضطرار، فلو أن امراة حائضاً أفزعت ولم تجد ملجأً إلا المسجد، فلا بأس أن تدخل المسجد فراراً من الفزع، أو تريد أن تأخذ ماء من المسجد؛ لأن المسجد فيه بئر، ولا تجد ماء قريباً منها إلا في المسجد؛ فلا بأس أن تعبر وتأخذ الماء وتخرج، فهذا عبور سبيل، وكذا الجنب كأن يكون نائماً واحتلم فيعبر حتى يخرج.
وعلى كل: فإنهم أجمعوا على أن الجنب والحائض لا يمكثان في المسجد، فلا يأتي أحدهما يقول: أريد أن أستريح أو أستظل أو أن أنتظر فلاناً، لا، أما مجرد العبور فلا مانع، وقد جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـ عائشة:(ناوليني الخمرة من المسجد) وابن دقيق العيد يقول: وجاءت رواية: (من المسجد ناوليني الخمرة) وبينهما فرق: لأنه إذا قال لها: ناوليني الخمرة من المسجد -والخمرة: هي التي تشبه السجادة التي نصلي عليها- تكون (من) لانتهاء الغاية، قالت:(أنا حائض، قال: حيضتك ليست في يدك) ، إذاً: هي ستدخل المسجد وتأخذ الخمرة وتأتي بها إليه، ويكون هو عند هذا القول في بيتها، وهذا يقتضي أنها ستدخل المسجد وهي حائض، ولكن لا تمكث فيه، بل مجرد عبور سبيل، أما الرواية الثانية: قال لها: (من المسجد)(من) هنا لابتداء الغاية، فحينما قال لها ذلك كان هو في المسجد، (قال لها من المسجد: ناوليني الخمرة) كان هو في المسجد كانت هي في بيتها، فتأتي بالخمرة، وهو عند باب الحجرة، والحجرة مشرعة على المسجد، فيكون هو في المسجد وهي في حجرتها، ويتناول منها الخمرة.
وجاء عن إحدى زوجاته صلى الله عليه وسلم قالت:(كانت إحدانا تكون حائضاً، فتقوم فتأخذ الخمرة وتفرشها في المسجد لرسول الله) ، وهذا نص صحيح صريح بأن الحائض تدخل المسجد.
قالوا: والجنب لا يمكث في المسجد على حدثه، لكن كونه يمر مروراً للحاجة فلا مانع من ذلك، وقد كره بعض الفقهاء أن يتخذ المسجد طريقاً؛ لأنه امتهان للمسجد، ومرورٌ به دون أن يؤدي تحية المسجد؛ لأنه عابر سبيل.
إذاً: قوله صلى الله عليه وسلم: (إني لا أحل المسجد) ، هذا عام في جميع المساجد، (أل) للجنس، سواء كان في مسجده صلى الله عليه وسلم أو غيره، فالحكم لجميع المساجد، فلحرمتها لا ينبغي للجنب ولا للحائض أن يمكثا فيها، أما للضروريات فلها أحكام تخصها، والله تعالى أعلم.