جاء في الرواية:(سكت طويلاً حتى تمنينا أنه لم يسأله) ، ولكل إنسان أن يقف عند هذه السكتة الطويلة، لأن هذا أمر يتعلق به صلى الله عليه وسلم، وقد أشرنا إلى نظير لهذا، وهو: الصلاة مكتوبة، جاء في القرآن:{إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا}[الجمعة:٩] ، فالنداء موجود، وأخذوا يصلون مدة طويلة، ويُنذر بعضهم بعضاً لوقتها، ثم تعبوا من هذه الطريقة وقالوا: تعالوا نتخذ علامة تنبه الجميع، ندق الناقوس، قال: لا، هذا حق النصارى، ننفخ في البوق، قال: لا، هذه حق اليهود، نشعل نار: قال، لا، هذه للمجوس.
هذه هي الشعارات الموجودة عند الآخرين، الآن يضربون المدفع من أجل الإعلام بوقت الإفطار والإمساك، وهذه أمور يتفقون عليها لكن كره صلى الله عليه وسلم أن يُحاكى أو يشابه الأمور الباطلة، من الأديان الباطلة أو المنتهية، وقاموا ولم يتفقوا على شيء، يعني: الجلسة كلها والرسول معهم، والخلفاء الراشدون والصحابة بكاملهم يجتمعون ويتآمرون وينفضون على غير نتيجة، نحن الآن نقول: اجتمعت اللجنة الفلانية وخرجوا بدون أي نتيجة، ولم يتوصلوا إلى قرار حاسم، ونعيب ذلك عليهم، وهنا رسول الله وخيرة الصحابة اجتمعوا من أجل أمر في الدين، ومع ذلك انتهى الاجتماع ولم يتوصلوا إلى قرار، ماذا كانت النتيجة؟ أتى عبد الله بن زيد يقول: يا رسول الله! رأيت كأني في المنام -يعني: بين النوم واليقظة- ورأيت رجلاً عليه حلة خضراء يحمل ناقوساً، وقلت له: ألا تبيع هذا الناقوس؟ فقال: ماذا تصنعون به؟ قلت: نعلن به للصلاة، قال: ألا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ -وذكر الأذان- ثم تنحى قليلاً وقال: ثم تقولون: وذكر له الإقامة.
الرسول صلى الله عليه وسلم لما سمع هذا من عبد الله قال: إنها رؤيا حق، قم فألقه على بلال فإنه أندى منك صوتاً، فصعد بلال ونادى، فإذا عمر يأتي يجر رداءه، ويقول: والله! لقد رأيت مثلما سمعت.
اجتمعوا ليصلوا إلى وسيلة فلم يتوصلوا ويترك الأمر، أبو بكر مع ما بينه وبين رسول الله ما رأى شيئاً، عثمان صهر رسول الله ما رأى شيئاً، عمر فيما بعد حفصة لم تأت إلى الآن، فإذا عبد الله بن زيد رجل من الأنصار يقول: أنا رأيت كذا وكذا، وهو شعار المسلمين في صلاتهم، وأهم ركن في الإسلام، يُترك ليراه إنسان بين النوم واليقظة، قالوا: نعم، وهذا عين الواقع والحقيقة المناسبة، لماذا؟ لأن في ألفاظ الأذان أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وليس هناك إعلان بعلو منزلة النبي وعظيم شرفه كقران اسم رسول الله باسم الله المولى سبحانه، وذلك في الشهادتين على المنارة ينادى به في كل مسجد في كل يوم خمس مرات، بل في بعض المساجد كل منارة ينادي عليها مؤذن، ثم تثنى في الإقامة، لو أراد إنسان أن يحصي هذا في العالم لا يقدر أن يحصيه، فهذا العمل لما كان متعلقاً بشخصية رسول الله، والمدينة فيها من أهل الشر الذين يترقبون زلة أو ثُلمة فيها أدنى شبهة ليشككوا المسلمين في رسول الله؛ سد عليهم هذا الباب، والله أنا لم آت به، ولم أقل لكم: أوحي إليّ بهذا؛ مع أنه لو قاله فهو صادق، ولا أحد يستطيع أن يرد عليه قوله، لكن عندما يأتي به رجل من عامة المسلمين، هل أحد يستطيع أن يلوح بشبهة في الأفق؟ لا أحد يستطيع.